هذه الحكومة لا تمتلك فقط الجرأة على كل ما هو اجتماعي، وتهديد مفهوم “الدولة الاجتماعية” في أسسها الحقيقية، بل تمتلك الجرأة على تزييف الحقيقة وتزويرها أمام أعين الجميع، وكنا نعتقد أن الزعيم الإسلامي كثير الكلام هو الأجرأ، لكن تبين أن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، هو أجرأ الناس كلاما حتى لو لم يمتلك القدرة على الخطاب ولم يكن بليغا، لأن لديه القدرة على تهريب كل المشاكل إلى زمن غير الزمن الحكومي الذي هو فيه رئيس للحكومة، وتعليق كل الإخفاقات على شمّاعة الحكومة السابقة.
قال في الجلسة الشهرية للجواب على أسئلة المستشارين بخصوص سياسة الحكومة فيما يخص الأسعار “إن الحكومة بريئة من ارتفاع الأسعار”، وهو الكلام نفسه تقريبا الذي ردده عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أثناء حلوله ضيفا على القناة الأولى، حيث “اختطف” كلاما من “افتتاحيات سابقة” للنهار المغربية موظفا إياها في سياق الدفاع عن حكومته بدل السياق الذي وظفناها فيه، ورئيس الحكومة ووزارؤه لا يريدون الاعتراف بأنهم أخفقوا ليس في تنفيذ جزء من البرنامج أو البرامج التي تقدموا بها، بل أخفقوا في تدبير الأزمة.
أخنوش رمى الكرة في ملعب الحكومة السابقة، التي كان فيها وزيرا ورئيس حزب مشارك في الحكومة، بل الحزب الذي كان يجر وراءه تحالفا داخل التحالف الحكومي من أربعة أحزاب تصول وتجول ولا يملك أمامها رئيس الحكومة سوى التسليم، وكان حزبه يحوز أغلب الوزارات التي تشكل قطب رحى التدبير الحكومي. ليس هناك عيب أن يعترف بأنه أيضا مسؤول عن المشاكل الموروثة من الحكومة السابقة.
كان بإمكان المغرب تفادي أزمة الأسعار، لو كانت الحكومة تفكر في تدبير الشأن العام لا في حل مشاكل الشركات التي تسعى دائما للأرباح، وسبق أن حذرنا منذ البداية من خطورة هيمنة “تجمع المصالح الكبرى” على القرار الحكومي، إذ إن أخنوش يسعى لإرضاء نفسه أولا باعتباره مستثمرا قبل أن يرضي الشعب.
أقبح شيء هو أن تقوم الحكومة بتوريط الشعب في مستنقع الزيادات، ثم تحاول ممارسة المغالطة بشكل كبير عن طريق استدلالات مضحكة، على رأسها تعليق السبب في الحكومة السابقة ثم الأزمة الدولية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا.
والمضحك أن يقول وهبي إنه لما وضعنا البرنامج الانتخابي، الذي قدم وعودا فلكية، كانت بين أيدينا معطيات، ولما وصلنا إلى الحكومة تغيرت. ما هذا الهراء؟ أي تفاهة وصلنا إليها في التحليل والاستدلال؟ الأزمة الأوكرانية لاحقة على تشكيل الحكومة، وتعثر التدبير الحكومي بدأ من اليوم الأول أو كما يقال “من الخيمة خرج مايل”. وقال إن الحكومة منفتحة على اقتراحات المعارضة في وقت قامت بسحب مشاريع القوانين فقط لأن الذي قدمها يوجد اليوم في المعارضة.
حاصل خطاب أخنوش: أنتم أيها الشعب وأيها الجمهور الذي انتخبنا أنتم المسؤولون عن ارتفاع الأسعار.