انتقل المغرب من المغرب الأخضر (2008 ــ 2020) إلى الجيل الأخضر (2020 ــ 2030)، لكن دون القيام بتقييم واضح لنتائج المخطط الأول، الذي كان يستهدف بناء بلد فلاحي عبر سلاسل متعددة، منها الزراعة وتربية المواشي، وكلف ما يفوق 100 مليار درهم، مستخلصة من المال العام، واستهدف حسب تقارير وزارة الفلاحة حوالي 2.7 مليون فلاح مغربي وعددا كبيرا من الشركات والتعاونيات التي كانت قائمة والتي أقيمت لهذا الغرض، واليوم تم الانتقال إلى “الجيل الأخضر” الذي يهدف إلى دعم أدوات الإنتاج من معامل للتصبير ومسالخ وغيرها.
ما يهمنا هنا هو قطاع الحليب، التي قالت الوزارة إنه بفضل المغرب الأخضر ارتفع الإنتاج بحوالي 49 في المائة، ومن أرقام الوزارة نقرأ: في سنة 2009، كانت إنتاجية السلالات الأصيلة حوالي 3.500 لتر للبقرة في السنة؛ أما في سنة 2019 فبلغت 4.200 لتر للبقرة في السنة، مسجلة نموا بنسبة 20%. وتضم الضيعات الوطنية حوالي 1,82 مليون رأس تنتج 2,5 مليار لتر من الحليب. ويمثل الاستهلاك الفردي للحليب في المغرب ما بين 10% و15% من إجمال إنتاج السلسلة.
السؤال اليوم: بعد كل هذا المجهود لماذا يعاني المغرب من خصاص مهول في مادة الحليب. قد يكون لأزمة أوكرانيا وغلاء الأعلاف تأثير. لكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع نسبة الإنتاج بـ60 في المائة فهذا يعني أن المنتجين كانوا في وضعية هشاشة مهولة. وهذا التراجع جاء بعد دعم استثنائي كلف الملايير من الدراهم. فأين الخلل إذن؟
السؤال ليس تقنيا حتى يكون الجواب عنه تقنيا. نعم كان هناك مخطط واضح وطموح من أجل الانتقال بالمغاربة من موقع إلى موقع أفضل، ضمانا لتأهيل الفلاح المغربي كي ينسجم مع التحولات العالمية، وينفتح على سلاسل إنتاج متنوعة ومختلفة، لكن كما يقال “ليس كل ما يطلب ينال”، غير أنه ما ذلك على المغربي بعزيز لو توفرت الإرادة القوية لتنفيذ المشروع بشكل سليم.
من أخطاء أو خطايا المخطط الأخضر هو هيمنة الشركات الكبرى والضيعات المترامية على الحصة المهمة من الدعم. وهذه يمكن أن تغطي نمطا من المنتوجات التصديرية وبشكل مهم، لكن الفلاحين الصغار والكسابة الصغار والمتوسطين هم من يضمنون الأمن الغذائي الداخلي. فهل تم دعمهم بما يكفي للتأهيل والاستمرار في الإنتاج؟ هل خصصت الحكومة الدعم اللازم لهم كي يبقوا على قيد الحياة مثلما فعلت مع الشركات الكبرى، التي تدخلت بشكل قوي لإنقاذها وضمان بقائها، وهذا أمر مهم طبعا لكن ضمان استمرار المقاولات والتعاونيات الصغرى يكتسي أيضا أهمية كبرى باعتباره يضمن الإنتاج الذي يضمن الأمن الغذائي.
الآن بعد تهديد الأمن الغذائي للمغاربة وبعد النقص الفظيع في مادة الحليب المستهلكة بشكل كبير في المغرب، ألا يجدر بنا أن نفتح تحقيقا دقيقا حول أموال عمومية ضخمة تم صرفها في مخطط المغرب الأخضر لكن النتائج لم تكن مرضية بل كانت عكسية؟ هل كانت ساعة المحاسبة؟ هل تتم مساءلة أخنوش والصديقي الشخصين الفاعلين لمدة 12 عاما والساهرين على المشروع؟