*أحمد الدرداري : رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات,استاذ جامعي
كثيرة هي الأسئلة التي تطرح بشأن عملية التوظيف بالتعاقد التي لجأت إليه وزارة التربية الوطنية وتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ذلك أن الوظيفة العمومية وولوج مناصب في قطاع التربية الوطنية تبقى من حيث المبدأ منافية تماما مع إعمال قواعد قانون الشغل في التوظيف العمومي خصوصا وأنا الشواهد المحصل عليها تمت بتكلفة مالية من ميزانية الدولة ولا يمكن تدبرها بمنطق القطاع الخاص كما أن قانون الوظيفة العمومية يرتبط بالقضاء الإداري عكس قانون الشغل يرتبط بالقضاء العادي عند وقوع نزاع أو ضرر.
فالدولة بتخليها عن التوظيف المباشر تماشيا مع منطق الدول الغربية غير ممكن في الظروف الحالية و دون توضيح الرؤية وذلك لعدة أسباب:
فالدول الغربية أهلت القطاع الخاص بما يضمن الحفاظ على حقوق الأجراء والعاملين فيه، والنتيجة دائما هي استمرار الدولة بمفهوميها التدخلية والمتعاقدة عكس وضعية القطاع الخاص في المغرب الذي يركز على الأرباح فقط بينما الدولة فهي خصم له بامتياز. كما أن التأمينات في الدول الغربية حقيقية ومشجعة ومحترمة لالتزاماتها تجاه المنخرطين في أنظمة التأمين بينما في المغرب غالبا نجد أنظمة التأمين لاتحترم التزاماتها، وما تزال الشخصنة تطغى عليها ويمكنها في أي وقت أن تعلن عن الإفلاس بسبب غياب الشفافية في التعامل مع المنخرطين ويزيد هذا الأمر من فقدان الثقة في القطاع الخاص رغم ارتفاع الأجور أحيانا مقارنة بالقطاع العام.
إن العمل او الشغل في القطاع العمومي دون التأهيل المسبق يدل على الافتقار للرؤية الإصلاحية والاستراتيجية لعمل الحكومة، وأن المغامرة في قطاع حيوي مثل قطاع التربية والتعليم لا يمكن أن يعطي نتيجة مرضية، والمسؤولية ملقاة على الحكومة التي حاولت أن تغطي النقص الحاصل في الموارد البشرية وتهالك قطاع التعليم وضعف المردودية باللجوء الى التعاقد بدلًا من العناية بالأطر التعليمية المتوفرة وإلحاق نفس صنف الاطر بالقطاع.
والتعاقد من الناحية القانونية يلزم المتعاقدين باحترام بنود العقد والإجراءات المنصوص عليها وكذلك آثار العقد المبرم بين الطرفين أي بين الادارة و الأساتذة لانه عقد صحيح وهو ملزم قانونا للأطراف مادام ركن الرضا متوفر وأن التوقيع تم طواعية من طرف الاساتذة الراغبين في العمل بالتعاقد وتوقيعهم برضاهم، مما نتج آثارا للمسؤولية العقدية. بينما القول بأن التعاقد فرض على الاساتذة فهو كلام يبقى ادعاءً خارجا عن التبرير من الناحية القانونية، بحكم ان القانون يبطل العمل بشروط تعجيزية او غير إنسانية او مهينة واللجوء الى القضاء كان هو الأنسب للبت في ما اذا كان الإرغام قد مورس على المتعاقدين أم لا وابطال العقد اذا تنافى أي اجراء او ركن مع القانون والدستور.
أما الحلول فهي كما يلي:
قطاع التربية الوطنية قطاع حيوي ولا يمكن وضع مستقبل البلاد والأجيال تحت تصرفي نخبة يائسة وتعاني أزمة ارتباط بالواجبات الضرورية لبناء المجتمع، كما أن استمرار العمل بالتعاقد سوف ينتج عنه مجتمع فاشل وفاقد للثقة في البرامج الحكومية والسياسات العمومية، وسيحل اليأس محل الطموح والكسل محل الاجتهاد والتنكر محل الغيرة.
ان توجه وزارة التربية الوطنية نحو تغيير إطار الاساتذة المتعاقدين الى موظفين وأطر جهوية مع إلغاء مصطلح التعاقد وتعويضه بالنظام الأساسي لأطر الأكاديميات الذي يماثل نظام الوظيفة العمومية هو أمر مهم، ويتطلب منح هؤلاء الاطر ارقام التأجير في وزارة المالية مع السماح لهم بالتدرج من أستاذ الى مدير ومفتش والولوج للمناصب العليا، بالإضافة الى الانخراط في الصندوق الوطني للتقاعد والسماح بالحركة الانتقالية بين الأكاديميات. كما أن ارتباط التعليم بمشروع الجهوية المتقدمة واللامركزية امر أيضا مهم لتدبير قطاع التربية الوطنية والتعليم في علاقته بالسياسات العمومية الترابية الاخرى .
هذا وتجدر الإشارة الى ان هناك مغالطة العمل بقانون الشغل في القطاع العمومي حيث يلجأ الموظفين الى النقابات التي وجدت في الأصل للدفاع عن حقوق العمال والمأجورين وليس الموظفين الذين يسري عليهم القانون العام الشيء الذي يثير الخلط بين الأدوات التي تتماشى مع القطاع العام في مواجهة الدولة وأدوات هي حكرا على فئة العمال في مواجهة القطاع الخاص وارباب العمل . والاختصاص القضائي هو وسيلة للتمييز بين الوضعيتين أي قضايا يمكن اللجوء بشأنها الى القضاء الاداري والقضايا التي يمكن عرضها على القضاء العادي مما يقتضي اعادة النظر في هذه الآليات والتمييز بين القوانين رغم وحدة النص الدستوري.
ويبقى إصلاح التعليم مسؤولية الدولة لإنهاء أزمة الاختيارات والاستراتيجيات واخراج التعليم من التسييس وجعله من قطاعات السيادة لإحكام خطة الإصلاح .