الدكتور احمد درداري*
بعدما اجتمع مجلس الأمن الدولي الجمعة 25 فبراير الجاري للتصويت على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة وألبانيا يدين اجتياح روسيا لأوكرانيا ويطالبها بسحب قواتها فورا من اوكرانيا ، فاذا بروسيا هي من ترأس مجلس الأمن واستعملت حق الفيتو الذي تمتلكه موسكو لأن عضويتها دائمة .
و استخدام موسكو لحق النقض اضافة الى رئاستها جعلها متحكمة في ابطال القرار لكن تبعات ذلك ستؤدي الى عزلتها على الساحة الدولية.
وما يزيد من تعقيد الوضع في اوكرانيا هو ان 11 عضوا أيدوا القرار في مجلس الأمن من أصل 15 عضوا ، وامتناع الصين عن التصويت الشيء الذي يفسر عدم تخندق الصين كليا لا مع روسيا برفض القرار ولا بالتصويت لصالح الولايات المتحدة. ثم أيضا الهند والإمارات العربية المتحدة، العضوين غير الدائمين في مجلس الأمن الذين صوتا بالرفض بدلا من تأييد مشروع القرار القاضي بسحب القوات الروسية
والمندد بأقصى درجات الشدة بعدوان روسيا على أوكرانيا ومشيرا إلى أنه روسيا انتهكت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر التهديد باستعمال القوة أو استعمالها وتدعو جميع الدول الأعضاء إلى احترام سلامة أراضي الدول الأخرى واستقلالها السياسي.
ومعه يطرح التساؤل عن المنطق السياسي الذي يقبل بترأس دولة لمجلس الأمن هي نفسها المدانة بخرق قانون الامم المتحدة وتناقش عدوانها على أوكرانيا، بهدف الإدانة، وبعد المناقشات و المناوشات و تبادل الإهانات تستخدم من موقعها كرئيسة الجلسة حق الفيتو لتسقط قرارا دوليا كان موضوعه الادانة الدولية وتصوت لصالحها رغم ما قامت به في حق دولة كاملة العضوية في الامم المتحدة . فالعالم تتبع المسرحية داخل دواليب واروقة مجلس الامن الدولي الذي عاد ليذكر الجميع بظروف الحرب العالمية الثانية ويطرح معضلة السلم والامن الدوليين من جديد حيث يبدو ان سبب الفوضى الدولية هو انفراد خمس دول فقط بحق الفيتو واقتسام خارطة الظلم الدولي بينها، فيتم اشهار الفيتو في وجه الدول المظلومة بل والتحكم في التسلح و اذلال باقي الدول بالعقوبات و التهديد النووي وغيره.
لكن هذه المرة تبدو المعركة مختلفة حيث ان الصراع الجوهري هو بين الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن والمتمتعين بحق الفيتو، والحقائق المسكوت عنها تدار بمؤشرات الحروب و استدراج دول كضحايا لتفادي الاصطدام المباشر بينها. وسيتبين فيما بعد ان الامر لا يعدو ان تكون دولة اوكرانيا موضوع روسي محض ولكن الموضوع اعقد وابعد من ذلك.
فهل يتعلق الامر بتخطي روسيا كقوة عسكرية وانهاء الصراع الامريكي الروسي مقابل صعود القوة العسكرية الصينية واستبدال الصراع مع روسيا بالصراع الامريكي الصيني؟ ام يتعلق الامر بانهاء الهيمنة الامريكية بخلق تحالف دولي روسي صيني ايراني كوري شمالي في مواجهة امريكا المتهمة بالهيمنة وتتزعمها حلف النيتو ؟ ام ان الامر يتعلق بالأزمة الاقتصادية الدولية التي فرضت الانتقال الطاقي والرقمي وهو ما أثار مخاوف الدول من استفحال أزمة مخزون الطاقة المتبقية من النفط والغاز، وبسبب شدة التنافس الدولي كانت اوكرانيا مسرحا للصراع بين الغرب وروسيا لكون مخزون اوكرانيا المتنوع عامل اساسي للاقتصاد الاوربي والامريكي ؟
ان الحرب العسكرية الروسية الاوكرانية بدأت بضم جزيرة القرم وفي المقابل تستعد الصين لضم مناطق بالقوة لأنها تعتبرها جزء من ترابها و من بينها تايوان ، فمن وراء كل حرب أهداف غير معلنة وأخرى معلنة، ذلك ان الحروب والصراعات لها عدة أوجه وخلفيات اقتصادية وعلمية وتكنولوجية وعسكرية وجيوسياسية وجيواستراتيجية جديدة قد تنقل المعارك حتى على مستوى الفضاء باعتباره أيضا عامل من عوامل التفوق الدولي بين الدول الخمسة .
كما ان التوجهات الدولية الحديثة ستبين نوع التحالفات التي على أساسه تتحدد المصالح الدولية لمرحلة ما بعد العولمة التي كانت معاييرها القوة العسكرية والاقتصادية والمؤطرة بالايديولوجية السياسية، لكن مع تطور مستويات الأبحاث العلمية و دخول العالم عصر النانو و وصناعة الخلايا البشرية و تخطي المنتوج الاقتصادي الطبيعي والتوجه نحو اقتصاديات المعارف و التكنولوجيا و السفر الالكتروني عبر الزمن .. مما تبدو مع هذا التحول ان استخدامات الطاقة النفطية ستصبح متجاوزة لمسايرة عصر الطاقة النووية و التي بدونها لا وجود للدول و ستظل محكومة بالبقاء في اسفل الدرج مشلولة وبدون قدرة .
كما ان الاسلحة الجديدة التي تستخدم اللايزر في الحروب بدلا من الرصاص هي أسلحة خفية وأقوى وانجع وأكثر دقة وقد تستعمل في اوكرانيا اذا طالت مدة الحرب وتدخل حلف النيتو و الدول الكبرى في اوكرانيا ضد روسيا .
ولحرب روسيا على اوكرانيا تداعيات اخرى منها فقدان الثقة في الدول الكبرى كما ستدعو الى بناء احلاف دولية لمواجهة الخطر النووي واسلحة الدمار الشامل الذي يلوح بوتين باستعماله ضد اي كان ، وفي حال توسعت الحرب فقد تأخذ منحى أكثر خطورة وستصبح معها الأزمة العالمية أعمق على جميع المستويات.
*رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات