في جلسة ساخنة داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب المغربي، تحوّل النقاش حول وضع الإعلام الوطني إلى منصة لتصعيد انتقادات المعارضة البرلمانية ضد الحكومة، بسبب ما وصفته بـ”تراجع خطير” في حرية الصحافة واستقلالية الإعلام العمومي، وذلك بحضور وزير الشباب والثقافة والاتصال، محمد المهدي بنسعيد.
وشككت فرق من المعارضة، وعلى رأسها الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية وفريق التقدم والاشتراكية، في التزامات الحكومة تجاه حرية التعبير والتعددية الإعلامية، متهمة إياها بـ”التضييق، والتدجين، واستغلال القطب العمومي لأغراض سياسية وانتخابوية”.
خطاب المعارضة: من التقييد إلى التوظيف السياسي
النائب عمر اعنان عن الفريق الاشتراكي، أشار إلى تزايد المتابعات القضائية ذات الطابع الجنائي ضد الصحافيين والنشطاء، معتبراً أن هذا “يناقض جوهر دولة الحق والقانون”. كما حذر من الهشاشة البنيوية للمهنة، مستشهدًا بإحصائيات تشير إلى أن 62% من الصحافيين لا يتوفرون على عقود عمل دائمة.
واتهم اعنان الحكومة بتحويل الإعلام العمومي إلى منصة للدعاية السياسية، داعيًا إلى إعادة فتح ورش مراجعة مدونة الصحافة والنشر، وسن قانون خاص بالإعلام العمومي يضمن الاستقلالية والتعددية.
من جانبها، وصفت النائبة الباتول أبلاضي، عن العدالة والتنمية، واقع حرية الصحافة في المغرب بأنه “مزري”، متهمة الحكومة بـ”شن حرب شرسة على الإعلام المستقل”، عبر “التضييق الناعم والخشن”، واستخدام الدعم العمومي والإشهار كوسائل لترهيب الصحافة الناقدة وكسب ولاء وسائل إعلام موالية.
وأضافت أن الحكومة عمدت إلى تفكيك مجلس الصحافة وتعويضه بـ”لجنة مؤقتة تابعة لرئاسة الحكومة”، معتبرة ذلك خرقًا سافرًا لمبدأ التنظيم الذاتي وللمعايير الدولية.
تهامي: تحسن التصنيف لا يخفي التراجعات المؤسساتية
النائبة نادية تهامي عن حزب التقدم والاشتراكية، ورغم إشادتها بتحسن ترتيب المغرب في مؤشرات حرية الصحافة خلال الفترة الأخيرة، اعتبرت أن ذلك يرجع لغياب اعتقالات جديدة وعوامل ظرفية، مشددة على أن الواقع ما زال يحتاج إلى “إرادة سياسية حقيقية لإصلاح الإعلام”، خاصة من حيث تمويل المقاولات الصحفية واستقلالية الخط التحريري.
كما انتقدت تجميد تجربة التنظيم الذاتي للصحافة، معتبرة أن الحكومة “تهربت من تجديد الهياكل، وخلقت أزمة مصطنعة للسطو على القطاع”، مشيرة إلى أن كل الآجال الدستورية والتنظيمية مرت دون أي تقدم فعلي.
وفي سياق آخر، نددت تهامي بـ”استغلال الحكومة للقنوات العمومية في الترويج لنفسها”، و”إقحام المشترك الوطني، كتنظيم كأس العالم، في برامج دعائية توظف سياسيًا”، مطالبة الوزير بتوضيحات حول هذا “الانحراف في استعمال الإعلام العمومي”.
الوزير بنسعيد في مرمى النقد.. ولا رد مباشر
ورغم توجيه هذه الانتقادات بشكل مباشر إلى الوزير بنسعيد، إلا أن الجلسة لم تشهد ردًا تفصيليًا يوازي حجم الهجوم السياسي والإعلامي الذي شنته المعارضة، مما عزز الانطباع بوجود احتقان متصاعد داخل المؤسسة التشريعية بخصوص هذا الملف الحساس، الذي يُعد أحد مقاييس التقدم الديمقراطي وحرية التعبير في المغرب.