جزم أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية باليقين الدور الكبير للأمن الروحي الذي لعبته وتلعبه إمارة المؤمنين في هذا الأمن، حفظا للمغرب منذ اثني عشر قرنا من وجود المملكة الشريفة، ليتكرس هذا الأمن جليا مع الراحل الحسن الثاني ويزداد تكريسا مع الملك محمد السادس في العقدين الأخيرين، منذ تربعه على العرش.
ما بين سطور قول أحمد التوفيق، وهو يؤكد على أن “أمير المؤمنين محمدا السادس حرص على أن يسهم في حفظ الدين بإفريقيا” تُقرَأ العديدُ من القراءات، لكنها لا يجب أن تتوقف عند استتباب الإسلام الوسطي المعتدل الذي مافتئ الملك محمد السادس يعمل على تكريسه داخل المملكة الشريفة، صونا لها وللبلدان الإسلامية وللعالم أجمع من كل الدخائل من الإيديولوجيات والأفكار، التي قد تسمم مفاهيم الإسلام وتنفي عنه كل مقومات التسامح والسلام والإخاء والمحبة والتعايش والانفتاح، بل يجب تجاوزه إلى التأكيد على أن إمارة المؤمنين بوجودها الضارب في عمق التاريخ، ساهمت وما تزال تساهم، في عهد الملك محمد السادس على حفظ الدين الإسلامي من كل الشوائب، داخل القارة الإفريقية التي ارتبط بها المغرب روحيا منذ قرون، قبل ارتباطه الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي والثقافي..
لا يختلف اثنان في أن المغرب صاحب الرهان على الإرث الديني المشترك، في ظل استراتيجية دينية إقليمية معزِّزة لتعاون إفريقي في المجال الديني، كـمقابل خفي لأشكال أخرى من التعاون السياسي والاقتصادي والجيوسياسي، تَجاوزه إلى الحرص الشديد على توظيف مثالي لصيغ الأمن الروحي عبر الإسلام المعتدل. فبالاعتماد على مقاربة ناعمة جعلت إسلام الدولة المغربية نموذجا حاضرا في إفريقيا كلها، وفق التوجهات التي تضمن للمغرب حصنا منيعا من كل القراءات المشرقية للدين الإسلامي ولمقولاتها التي تجاوزت في زمن من الأزمان، شبه الجزيرة العربية (وهابية) إلى بلاد فارس، التي أصبحت في وقت آخر مصدَرا منافيا (شيعة)، بل مناهضا للنموذج المغربي، الذي لم يصبح حصنا للمملكة وحدِها من هاته القراءات بل لكل إفريقيا المسلمة، عبر إسلام سني وسطي معتدل، حاضِنته الأولى إمارة المؤمنين ومُشِعَّتُه في القارة جمعاء، في ظل كل التفسيرات الكونية للدين الإسلامي.
يؤكد تاريخ الدين الإسلامي الحديث بالمملكة أن المغرب راهن، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، على جعل الأمن الروحي لإفريقيا من بين أولوياته بخلق رابطة علماء المغرب والسنغال، التي سعت إلى تقريب الآراء الفقهية والمذهبية بين الدعاة والفقهاء في البلدين، ليواصل الملك محمد السادس السير على هاته المقاربة ليست مع دولة السينغال وإنما مع كل البدان الإفريقية المسلمة التي تجمعها مع المغرب رابطة تاريخية روحية موحدة. ولعل أقل ما يؤكد هذا التقارب عبر ذات المقاربة، لأهميتها القصوى في بث الأمن الروحي بالمغرب ومنه إلى إفريقيا، هو إحداث معهد محمد السادس لتكوين المرشدات والمرشدين والعدد الوافر من الأفارقة المريدين فيه والمتخرجين منه عند نهاية كل موسم دراسي.
الأمن الروحي الذي يعتبره كثيرون دبلوماسيةً لا تقل عن الدبلوماسية السياسية والاستراتيجية، وبالطريقة التي تنتهجها إمارة المؤمنين، لا يتوقَّف عند حفظ الدين في إفريقيا من الأفكار والقراءات والمذاهب التي تحاول عبثا “تشويه” الدين الإسلامي الوسطي المعتدل، بل تتجاوزه إلى رعاية مصالح الدول الإفريقية، بداية بما له صلة بتكوين الإنسان الإفريقي وحماية هويته وتكريمه. وما استقبال علماء الدول الإفريقية وتكريمهم، سواء بإلقاء بعض الدروس الحسنية في حضرة أمير المؤمنين أو عضوية مجلس العلماء الأفارقة إلا دليل على الدور الكبير الذي تلعبه إمارة المؤمنين في الحفاظ على الدين الإسلامي بتعاليمه السمحة التي تحفظ الاستقرار والأمن المتنوع للمغرب وكل إفريقيا التي هو فرع منها.