محمد فارس
اتّصل بي صديق قديم ليُخبرني بالجِدال القائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول [صلاة التراويح]، ومنَ الناس من سَخط، ومنهم من استاء، ومنهم من شجب وانتقد.. فقلتُ له: أنا لا أتعاطى مع هذه المواقع، ولستُ من الـمُدْمنين على [النِّت]، فأنا ضالَّتي الكتُب، وأستاذي هو [التاريخ]؛ قال السيّد [المسيح] عليه السلام: [فتِّشُوا الكتُب، تَعرفون الحقّ، والحقُّ يُحرِّركم].. فألحّ علَيَّ صديقي بأن أصوغَ مقالةً في الموضوع؛ فقلتُ: نعم، سأفعل، وإن كنتُ قد سبق لي أن كتبتُ حوْل [صلاة التراويح]، وقلتُ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ولكن لم يَسْمعني أحد وقتئذٍ.. فكم موظّف، وعامل، وشرطي وغيرهم من الكادحين الذين يَقضون يومهم في العمل وهم صائمون لربّهم، وبعد الإفطار، يودّون الاستراحة من عناء العَمل، وقَيْض الشمس استعدادًا ليوم الغد، لكنّهم يَذهبون إلى المسجد، اعتقادًا منهم أنّ صلاة [التراويح] مؤَكدة أو مستحبَّة يُجْزَونَ عليها وهي ليست كذلك على الإطلاق، فيقفون خلْف مُقرئ ظل يومهُ كلّه مستريحًا، أمّا هم فتُوَرَّمُ أقدامُهم مما يؤثّر على أبدانهم وسيْر أعمالهِم مع العِلم أنّه في الإسلام [لبَدَنِكَ عليكَ حقّ] وأن الله [يريد بكم اليُسر، ولا يريد بكُم العُسْر]، فكيف تحرصُ على صلاة [التراويح] ولا تَحرص على أداء عمل تتلقّى عليه أجرًا من الأمّة؟ هل هذا معقول! هل تعتقد أنّ صلاة [التراويح] هي التي ستُدخِلكَ الجنّةَ إذا كنتَ من أهْلِها، أو هي التي ستُنْجيكَ من النّار إذا كنتَ من أهلها؟ هذا هُراء!
لكن، لماذا لا تُزْبدونَ، ولا تُرغونَ للمُطالبة بتنفيذ أحكام الإعدام في حقِّ مَن يغتصبون الأطفال ويَقْتلونهم، وفي حقِّ من يقتلون النفسَ بغير حقّ، فلا نراكم، ولا نسْمعكم، كما نَرى ونسْمع من يطالبون بإلغاء حُكْم الإعدام في حقِّ القتلَة والمجرمين في هذه الأمة رغْم أن هذا الحكْم منصوصٌ عليه في كتاب الله عزّ وجلّ؟ فهل [صلاة التراويح] والحالةُ هذه أهمّ من تنفيذ حكمٍ جاء من فوْق سبْع سماوات؟ أجيبُوني أنتم ولكُم كل الفضل! أم لأنّ [التراويح] تمثل مناسبة سانحة لإثارة الفتنة في الأمة لجهْل العوام بتعاليمِ دينهم ولجهْلهم بأنّ [صلاة التراويح] مُنْهى عنها بأحاديث صحيحة وصريحة؛ فالدولةُ من حقّها حماية صحّة المواطنين استجابةً لنصائح أهل العلم والطّب، ومن واجبِها اتّخاذ إجراءات احترازية للتّقليص من أخطار جائحة تحصد الأخضَر واليابس، وقد أَوْدت بحياة الملايين عبْر العالم، والدينُ الإسلامي يحثُّ على كلّ إجراء احترازي في قوْله تعالى: [ولا تُلقوا بأَيْديكم إلى التّهلُكة] صدق الله العظيم. قد يتساءل متسائلٌ قائلاً: وما موقفُ الفقهاء من هذه الصلاة؟ الجواب: لأنّهم سمَحوا بها في الأيام العادية، فكيفَ سيقولون الآن إنّها مُنْهى عَنها، فهم يحسّون بإحراج، وسيقول المواطنُ مُتعجِّبًا: اليوم فقط، صارت [صلاة التراويح] منهى عنها؟ ياه!
وللّذين يُزبدون، ويُرغون، وينتقدون لأسباب شتى، نقول لهم: ألاَ تقولونَ إن [صحيحَ البخاري] هو أصحّ كتاب بعْد كتاب الله؟ ألا تقولون إنكم تأخذون بكل ما جاء فيه؟ إذنْ، تعالوا نَرى ما قاله [البخاري] بخصوص [صلاة التراويح]! اِفْتحوا الجزء الأول؛ حديث رقم: [731]: [حدثنا عبد الأعلى بن حماد، قال: حدّثنا وهيب، قال: حدّثنا موسى بْن عقبة، عن، عن، عن زيْد بْن ثابت: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، اتّخذَ حُجرة، قال: حسبْتُ أنه قال: من حصير، في رمضان، فصلّى فيها ليالي، فصلّى بصلاته نَاس من أصحابه، فلما علِم بهم جعَل يقعد، فخرج إليهم، فقال: “قدْ عرفتُ الذي رأيتُ من صنيعكُم، فصلُّوا أيُّها الناس في بيوتكم؛ فإنّ أفْضل الصلاة، صلاةُ المرْء في بيْته، إلاّ الـمَكْتوبة”].. والآن اِقرأ الحديث رقم: [729] الذي يَنْتَهي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنّي خشيتُ أن تُكْتَب عليكم صلاة الليل.]..
وفي الجزء الثاني من [صحيح البخاري]: (كتاب التراويح)؛ حديث رقم [2012] تقرأ: [حدّثنا يحيى بن بكير، حدَّثنا اللّيْث، عَن ابن شهاب، أخبرني عُرْوة بن الزّبير، و(عُروة) هذا، خالتُه هي عائشة رضي الله عنها، أَخْبَرتْهُ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، خرجَ ليلة من جوْف الليل، فصلّى في المسجد، وصلى رجال بصلاته.. فَينْتهي الحديثُ بِـ[فتشهّد ثم قال: “أما بعد؛ فإنه لم يَخْف عَليَّ مكانكم، ولكنّي خشيتُ أن تُفْرض عليكُم، فتعْجزُوا عنها”، فتوفيَ رسول الله والأمرُ على ذلك] أيْ لا تقام هذه الصلاة. وغدًا إن شاء الله، سنقرأ البقيةَ في الجزء الرابع، ثم نفتح [صحيح مسلم] حتى يتيقّن الناس إنْ كنّا نكذبُ عليهم في دينهم، وحاشا ذلك! فالنصوص أمامكم، ولكُم أن تحكُموا وتستخْدموا عقولكم لكيْ لا يَعْبثَ بها العابِثون وأصحابُ النّوايا السّيِئة!