أحمد الدراري: رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات
تعيش ساكنة الفنيدق اياما عسيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية ، وبالنظر الى الرسائل التي يوجهها المحتجين الى المسؤولين ومضمون الشعارات التي يرفعونها، تبدو وكأن الأمر يتعلق بمغربين الأول خالي من حس المسؤولية ويضر بالمواطن والآخر بيده الحل وينتظر منه التدخل لتسوية المطالب وقادر على الاستجابة لحل المشاكل، في حين ليس هناك الا مغرب واحد تقتسم فيه المؤسسات فيما بينها المسؤوليات والتي تتبادل الاتهامات والمسؤولية عن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية بالفنيدق، ويتعلق الامر بالتدافع بين السلطات المنتخبة والسلطات الإدارية، بينما المغرب الآخر فيتمثل في المؤسسة الملكية التي تتوجه اليها احيانا المطالب لإيجاد الحل السحري والذي لا يتم تنزيله بشكل دقيق لأن ذلك يتم أيضًا عن طريق نفس السلطات وبنفس العقليات، وهكذا تدور موجات الاحتجاجات دون استقرار ودون احترام للمسؤوليات وللقانون، الشيء الذي يقوي من إمكانية اللجوء الى الاحتجاجات في باقي المناطق لكون العملية قابلة للانتقال لكونها العملية الوحيدة للضغط من اجل تسوية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمناطق التي تعيش الأزمة.
صحيح ان هناك عوامل موضوعية للأزمة ومنها ظروف الجائحة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، لكن هناك عوامل ذاتية لأزمة الفنيدق وتتمثل في مسؤولية السلطات المنتخبة والإدارية معا، وتتعلق بسوء التدبير لعمليات اتخاذ القرارات، حيث ان غلق المعبر الحدودي لسبتة المحتلة كان من الأفضل ان يسبقه قرار ايجاد الحلول لاقتصاد التهريب بشكل قبلي وان فكرة السوق التجارية كان على السلطات ان تدرسها على ضوء فوضى الاقتصاد المعيشي وان تبني السوق وتجهزه قبل الإقدام على غلق المعبر الحدودي لتفادي أية ردود افعال أو احتجاجات ….. لكن التراشق بالمسؤوليات كمظهر مسيء للبلاد ليس في محله ، ويبين ان الامر يتعلق بصراع لا يخدم سمعة الوطن، ويحجب الحقيقة التي هي ضعف مستوى تعاطي المسؤولين بروح المسؤولية، والعيب يبقى في القانون اذا كان هو الذي يسمح بوصول البعض لمناصب المسؤولية، والعيب كذاب في المواطن الذي يصوت على من لا يقوم بواجباته تجاه الناخبين.
ان الظروف الحالية لا تحتاج الى هدر وقت الاستقرار الاجتماعي والأمن العام لان الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح بافراغ المجهودات الأمنية في مثل هذه المواضيع، والتغيب عن حلقات مسلسل التطور المتسارع والتي تدور بشكل يغير الحسابات الدولية، كما ان الاحتجاج كظاهرة للتعبير عن المعاناة هي مسؤولية مشتركة وتتقاسمها كل الفعاليات، وبالنسبة للاستحقاقات السياسية الوطنية القادمة ومع اقتراب موعد الانتخابات وتفاديًا للاستغلال السياسي وخدمة اجندات تيارات سياسية معينة، لذا فان الامر يتطلب تدخل السلطات الإدارية دون غيرها في عمليات تقديم الحلول ، ولتفادي تسييس الاحتجاجات و ضمان الحفاظ على المسافة القانونية بين الأحزاب والاستحقاقات القادمة، ذلك ان عملية اختيار المنتخبين يجب ان تعتمد على البرامج وليس الأشخاص كما يجب إعمال المحاسبة لكل من تحمل المسؤولية طبقًا للإنجازات على ضوء الإمكانيات المتوفرة علاقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية . ومن جهة اخرى يجب الخروج من الصراعات داخل المجالس المنتخبة المرتبطة بالأمراض النفسية والسلطوية والشخصية والتي تضيع بسببها مصالح عامة ومصالح المواطنين، الشيء الذي يعمق العزوف عن المشاركة وفقدان الثقة في المسؤولين بصفة عامة.
وتجدر الإشارة الى ان الشعارات التي تتجاوز حدود الارتباط بالمطالب العامة وتتحول الى اثارة مواضيع من قبيل دس شعارات التطاول والمس بالمشترك فان ذلك لن يحل المشكل، بل يزيد الوضع تعقيدًا وقد تقحم أفكار مسمومة وتتحول على اثرها الاحتجاجات من البحث عن حلول للازمة الى وضع آخر بعيد عن المطالب، وتنتقل من حالة طلب الحقوق الى موضوع المتابعة القضائية التي يروح ضحيتها أشخاص غيروا اتجاه تحقيق الهدف من الاحتجاجات والقانون لا يحمي المغفلين.