يعيش المواطن المغربي منذ أسابيع على وقع ارتفاع جديد في أسعار المحروقات، خصوصًا مادتي البنزين والغازوال، في محطات التوزيع عبر مختلف مدن المملكة. هذا الارتفاع المتجدد يعمّق أزمة القدرة الشرائية للمواطنين، ويعيد إلى الواجهة النقاش حول إصلاح صندوق المقاصة، وضبط السوق، وهوامش ربح شركات التوزيع، إلى جانب تساؤلات حول الخيارات الحكومية في تدبير هذا الملف الحارق.
في بداية يوليوز 2025، تجاوز ثمن لتر الغازوال في بعض المحطات سقف 14.50 درهمًا، فيما قفز سعر البنزين إلى ما فوق 15.50 درهمًا، وسط تفاوت طفيف بين المدن والموزعين. وتُعزى هذه القفزات، حسب المهنيين، إلى ارتفاع أسعار النفط الخام في السوق الدولية، وتراجع قيمة الدرهم أمام الدولار، بالإضافة إلى غياب آلية ضبط وطنية ناجعة.
لكن فئات واسعة من المواطنين ترى أن هذه المبررات غير كافية، خصوصًا أن أسعار النفط على المستوى العالمي لم تعد إلى مستوياتها القياسية، وأن الهامش بين السعر العالمي وثمن البيع في المغرب يثير علامات استفهام كثيرة.
يرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن تحرير سوق المحروقات منذ سنة 2015 تم دون وضع آليات شفافة لضبط الأسعار أو مراقبة هوامش الأرباح، ما ترك المجال مفتوحًا أمام شركات التوزيع لتحقيق أرباح كبيرة، على حساب المستهلك.
و قال الخبير الطاقي “المشكل الأساسي لا يكمن فقط في السعر العالمي، بل في غياب الشفافية بخصوص التكاليف الحقيقية للشراء والتخزين والتوزيع، وهو ما يجعل المستهلك المغربي رهينة لتقلبات لا يفهمها”.
وكان تقرير مجلس المنافسة الصادر سابقًا قد أشار إلى أن شركات التوزيع تحقق أرباحًا تفوق النسب المألوفة، داعيًا إلى إعادة النظر في تركيبة الأسعار، وإحداث هيئة تنظيمية مستقلة.
لا يخفى أن الارتفاع المتواصل لأسعار المحروقات له تداعيات مباشرة على باقي القطاعات، خصوصًا النقل والخدمات واللوجستيك، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار عدد من المواد الأساسية، وهو ما يُفاقم الغلاء العام الذي يشتكي منه المواطنون.
في مدينة الدار البيضاء، يقول سائق سيارة أجرة صغيرة “ما بقاش معقول. كنصرف أكثر من 300 درهم يوميًا على المازوط، والحركة ضعيفة. يا إما نزيد في التسعيرة ونتصادم مع الزبناء، أو نخسر الخدمة”.
وفي الأسواق، بدأت تظهر زيادات طفيفة في أسعار الخضر والفواكه والمواد الغذائية، يعزوها الباعة إلى تكاليف النقل المرتفعة، مما يعمق الضغط على الأسر محدودة الدخل.
في خضم هذا الوضع، تتعالى الأصوات المطالبة بتدخل حكومي عاجل لمراجعة السياسة الطاقية، وإعادة تنظيم سوق المحروقات، بل وصل النقاش إلى حد الدعوة إلى إعادة تشغيل مصفاة “سامير” بالمحمدية باعتبارها أداة سيادية لضمان الأمن الطاقي الوطني وتقليص التبعية الخارجية.
كما يدعو عدد من النواب البرلمانيين إلى تسقيف أسعار المحروقات، ولو بشكل مؤقت، حمايةً للقدرة الشرائية، وفرض ضريبة استثنائية على الأرباح المفرطة لشركات المحروقات، وهو ما يُقابَل بتردد حكومي بدعوى احترام منطق السوق الحر.
في خضم هذه الاحتجاجات، تكتفي الحكومة بتقديم مبررات تقنية تتعلق بالسوق الدولية، مع إطلاق برامج دعم لبعض القطاعات مثل النقل المهني، لكن هذه الإجراءات لا تمتص الغضب الشعبي، ولا تُقنع فئات واسعة من المواطنين.
وقد صرح ناطق رسمي باسم الحكومة، “الأسعار مرتبطة بالسوق الدولية، ونحن نتابع الوضع عن كثب. المغرب اختار تحرير القطاع في إطار التزامات إصلاحية، والحكومة لا يمكنها التدخل المباشر في تحديد الأسعار”.
هذا التصريح زاد من تأجيج الانتقادات التي ترى في هذا الموقف خضوعًا غير مبرر لسطوة الشركات الكبرى، وتنازلاً عن أدوار الدولة في حماية.
في ظل غياب حلول جذرية، يستمر ارتفاع أسعار المحروقات كأحد أكبر التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المغرب اليوم. ويبقى السؤال المطروح بقوة: إلى متى سيظل المواطن يتحمل كلفة خيارات سياسية واقتصادية يراها مجحفة؟ وهل يمكن أن يشكل هذا الملف بوابة لإعادة طرح مسألة العدالة الاجتماعية والسيادة الطاقية في البلاد؟