تفجر جدل شراء العقوبات الحبسية بالبرلمان، مجددا، بعد تراجع وزارة العدل في النسخة النهائية من مشروع قانون العقوبات البديلة عن إدراجه، حيث تقدمت فرق الأغلبية بمجلس النواب بتعديل على مشروع قانون العقوبات البديلة يرمي إلى إضافة عقوبة الغرامة اليومية إلى أصناف العقوبات البديلة، معتبرة أن ذلك يتماشى مع توجهات السياسات الجنائية لبعض الدول التي تعتمد هذا الصنف من العقوبات في أنظمتها الجنائية وتعتبرها عقوبة أساسية ومحورية في قانونها الجنائي، بعدما ادرجت وزارة العدل هذه العقوبة في مسودة مشروع قانون العقوبات البديلة، قبل أن تتراجع، بعد الانتقادات التي وجهت إليها من طرف عدد من الحقوقيين.
ونصت تعديلات فرق الأغلبية على إمكانية أن تحكم المحكمة بعقوبة الغرامة اليومية بديلا للعقوبة الحبسية المحكوم بها، وقيدت فرق الأغلبية بمجلس النواب حكم المحكمة بهذه العقوبة بضرورة بإدلاء المحكوم عليه بما يفيد وجود صلح أو تنازل صادر عن الضحية أو ذويه أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة، كما حددت هذه الغرامة بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة، مع مراعاة الإمكانات المادية للمحكوم عليه وتحملاته المالية وخطورة الجريمة المرتكبة والضرر المترتب عنها.
و اشترطت تعديلات فرق الأغلبية ضرورة التزام المحكوم عليه بأداء المبلغ المحدد في أجل لا يتجاوز ستة أشهر، ونوهت فرق الأغلبية أن هذا النوع من العقوبات يمثل آلية حديثة للزجر والعقاب كخيار تشريعي أبان عن فاعليته في مكافحة بعض أنواع الجنح، كما يتميز بالبساطة والسرعة في التنفيذ على مستوى الممارسة، وذلك عكس باقي العقوبات التي تتطلب اتخاذ مجموعة من الإجراءات لضمان تنزيلها الأمثل.
ويحدد مشروع القانون العقوبات البديلة في العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية.
وتعتبر الحكومة أن مشروع هذا القانون يأتي لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحريات والحقوق العامة، من خلال إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، والحد من آثارها السلبية، وفتح المجال للمستفيدين منها للتأهيل والاندماج داخل المجتمع، وذلك قصد المساهمة في الحد من مشكل الاكتظاظ داخل المؤسسات السجينة وترشيد التكاليف.
يذكر أن السجون المغربية تعيش اكتظاظا غير مسبوق، وهو ما يؤثر سلبا على حقوق السجناء.
ويعود السبب الرئيسي في هذا الاكتظاظ إلى الاعتقال الاحتياطي، وهو مصطلح يطلق على السجناء، الذين لم يصدر بعد حكم نهائي في حقهم.
ورغم أن المشرع المغربي جعل من الاعتقال الاحتياطي “تدبيرا استثنائيا” يتم اللجوء إليه في حالة التلبس، وخطورة الفعل الجرمي، وانعدام ضمانات الحضور، وتوفر دلائل قوية على ارتكاب المشتبه فيه للجريمة، لكن الأرقام الرسمية تشير إلى أن 45 في المائة من العدد الإجمالي للسجناء البالغ عددهم حوالي 100 ألف شخص معتقلون احتياطيا.
وكانت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، شرعت في مناقشة مشروع قانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، وذلك بحضور عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، وناقش النواب، على الخصوص، مساهمة مشروع القانون في معالجة إشكالية الاكتظاظ الذي تعرفه المؤسسات السجنية وترشيد التكاليف، والحد من الآثار السلبية للعقوبات السالبة للحرية لمدة قصيرة، ومساهمته في تأهيل واندماج المحكومين داخل المجتمع.
وأكد وهبي، أن هذا المشروع يسعى إلى “وضع إطار قانوني متكامل للعقوبات البديلة سواء من حيث تأصيلها وفق القواعد الموضوعية لمجموعة القانون الجنائي المرتبطة بالعقاب، أو من خلال وضع آليات وضوابط إجرائية على مستوى قانون المسطرة الجنائية تهم تتبع وتنفيذ العقوبات البديلة”، وأضاف أن الوضع العقابي بالبلاد بحاجة ماسة لاعتماد نظام العقوبات البديلة “كحل يعول عليه للتصدي للنواقص التي تعتري السياسة العقابية الحالية، خاصة في ظل المؤشرات والمعطيات المسجلة على مستوى الساكنة السجنية ببلادنا والتي تؤثر سلبا على الوضعية داخل المؤسسات السجنية، وتحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة”.
وي ثمن النواب التزام الحكومة مواصلة استكمال إصلاح منظومة العدالة من خلال هذا المشروع، طبقا لتوصيات ميثاق إصلاح القضاء، من أجل تحسين أدائه وتعزيز الحريات الفردية والعامة، وحمايتها من قبل منظومة العدالة، واصفين المشروع بـ “بالثورة الحقيقة في المنظومة القانونية والممارسة القضائية”، وأضافوا أن مضامين مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة تأسست على فلسفة عقابية جديدة قوامها الحد ما أمكن من الحكم بالعقوبات السالبة للحرية وتعويضها بعقوبات بديلة ذات أهداف إنسانية، منها ردع الجريمة وحماية المجتمع وإصلاح المجرم بطريقة أكثر إنسانية.