مفهوم الأمن اللامادي بين النظريات العلمية وطبيعة المقاربات التي تعكسها عقليات التنزيل غير المباشر للسياسات هو اشكال مرتبط بالكفاءات وبدرجة الالمام بالمتطلبات والاحتياجات الأمنية المبررة علميا والمطلوبة واقعيا وعمليا ضمن سياق مجتمعي متحول ومرتبك في مراحل معينة ، وهذا يطرح على المهتمين تطوير مفاهيم التحول الامني من المادي الى الأمن اللامادي ، وضرورة تطوير مختبرات البحث في الجوانب الأمنية غير المكشوفة والمرتبطة بالنشاط الانساني الرمادي والغير مراقب والغير مؤطر تشريعيا، حيث ان القانون لا يتحكم في كل مراحل تطور الفعل البشري، ثم ان المعرفة العلمية الأمنية المعمقة تطرح كبديل للنواقص التشريعية، الشيء الذي يمكنه ان يؤسس لمنظور امني لامادي أكثر مواكبة للسلوكات المخالفة للمقتضيات القانونية من داخل القانون نفسه وضبط السلوكات غير الأمنية بالاعتماد على نواقص التشريع، واعتماد السلطة الادبية في التدبير الأمني عن بعد وتغيير مفهوم مسؤولية المواطن في حالة المخالفة والجنحة والجريمة من مسؤولية أمام القانون الى مسؤولية أمام الافعال والمجتمع وفقدان أهلية الفعل التي تفترض الاستقامة أكثر من الخطأ وبالأحرى الانحراف، ومن بين الاعتبارات التي تفرض التحول نحو الأمن اللامادي هناك ذكاء عقل الانسان وغموض النوايا لديه، وأيضا الذكاء الصناعي واحتمال استعماله سلبا في المساحة الغامضة من تفكير الانسان، بالاضافة الى الانتماءات غير الصحيحة للعديد من روافد تغذية ثقافة الاندفاع نحو بعض التحديات والمغامرات دون اية مؤشرات قبلية في سباق بين الزمن والذات والفكرة رغم التواجد في نسق أمني ثابت ، وهو ما يفسر بوجود موضوع يحتاج الى مقاربة جد متطورة تواكب انفلات تفكير الانسان عن سكة الأمن المادي .
ان النسق المجتمعي ينسج ظواهر لا أمنية لاتفسرها النصوص القانونية الموجودة ولا تحاكيها حلولا وقائية، وهي تلقى على عاتق الخبراء في رصد السلوك الانساني المعاصر الذي يعتبر مفهوم الدولة الرخوة القائمة على حرية الانسان الكونية ضمانة للتخلص من متاعب الحياة او لطلب الرفاهية بطرق غير مألوفة، وتتجاوز بذلك النصوص القانونية الموجودة وتتماشى مع مقاربة الأمن النفسي والروحي ومزاج الانسان المعاصر . ولتحقيق الأمن اللامادي ينبغي تحويل الامن المادي الضيق المعنى الى أمن اكثر اتساعا وأكثر شمولية كالأمن التاريخي والأمن الأدبي والأمن الاجتماعي والأمن الديني والأمن الفكري والأمن الرقمي والامني النفسي والأمن السياسي. والامن البيئي والأمن الأخلاقي ..
ففي زماننا انتقل الانسان من رفع الاصوات الرافضة للتوجه السياسي الى ارفاق الرفض بالصمت المتحور واعتماد منطق التسلل الى المطبخ لتسميم الوجبات السياسية وتغيير نظام التغذية المتبع، ولا يمكن للامن اللامادي ان يغفل عن الاختراق الصامت للماكينة المجتمعية وخصوصا مناطق التحكم فيها.
أحمد الدرداري: أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان