أحيانا تكون القصة الصغيرة تخفي وراءها شأنا عظيما، وكم من فعل لا يعيره الناس اهتماما وهو من الرقي ما لا يحصيه لسان. هكذا رأينا ونظرنا إلى قضية توقيف صاحب مقهى للشيشة بالدارالبيضاء، الذي حاول استمالة عميد في الأمن الوطني عن طريق الرشوة قصد الاستمرار في ممارسة الأفعال المخالفة للقانون، لكن جاءه الجواب كالصاعقة، التي محقت كل شيء، لأن رجل الأمن أبان عن سمو أخلاق ورفعة وأن خدمة الوطن تتطلب عفة يد ولسان، وبدل أن يحقق مرتجى صاحب المقهى نفّذ فيه القانون.
القانون واضح لكن يحتاج إلى رجال ذوي أخلاق عالية حتى يتم تنفيذه على أحسن وجه، دون تفريط ودون ظلم، فالعميد، الذي نتحدث عنه وبصيغة الغائب لأننا لا نعرف اسمه، يمتلك من السلط ما يكفي ليمارس ابتزازه على المتهم، لكن ترك كل تلك السلط وراءه وخضع لسلطة القانون.
بروز الأخلاق العالية لدى كثير من رجال الأمن هو نتاج مجهود كبير، وهو ثمرة لسيادة القانون، وهو مجهود حاول تغيير صورة رجل الأمن لدى المواطن، وهي الصورة الموروثة عن حقب سابقة، لكن مع المدير العام الحالي عبد اللطيف حموشي، تم رفع شعار تخليق المرفق الشرطي، وهذا المرفق هو جزء من الإدارة بالمغرب، التي عاشت سنوات طويلة من استشراء الفساد، وبالتالي كانت المديرية العامة للأمن الوطني إلى وقت كاف من أجل تغيير الحقيقة والصورة.
ويبدو أنه تم تحقيق نتائج كبيرة وفي وقت قياسي، وذلك عبر أدوات متعددة، منها أولا التحفيز المادي وتحسين الوضعية المالية والاجتماعية لموظف الشرطة، وثانيا تطبيق القوانين الزاجرة، ولكن لم يتم اللجوء إلى الثانية إلا بعد أن تمت تسوية وضعية رجل الأمن كي يعيش بكرامة تمنعه من الدخول في التباس غير قانوني من قبيل الحصول على محفزات غير قانونية أو رشوة أو غيرها.
العمل الجبار الذي قامت به المديرية العامة للأمن الوطني والمتجسد أساسا في تكريس القيمة الأخلاقية لدى رجل الشرطة، عززت المناعة لدى عناصر الأمن الوطني أمام المغريات، ولم تعد الحالات المنحرفة عن القانون والمنحرفة عن الأخلاق سوى حالات شاذة، بينما الغالب على روح العمل الأمني اليوم هو الميزة الأخلاقية، التي انتشرت من خلال التحفيز ومن خلال الدفاع عن كرامة رجل الأمن.
لقد اختار عبد اللطيف حموشي منذ قدومه إلى هذا المرفق أن يسير على ركيزتين، الأولى معاقبة كل رجل أمن يخل بواجباته، والثانية هي الدفاع عن كل رجل أمن مُس في كرامته، سواء عن طريق الاعتداء الجسدي أو عن طريق الرشوة، ولضمان الكرامة لرجل الأمن كان تحسين وضعيته الاجتماعية والمالية من الأولويات لدى المدير العام مما حقق نتائج لا يمكن التغاضي عنها.
الأخلاق التي بدأت تنتشر وسط المرفق الأمني هي طبعا خلاصة جهد اتخذ مناحي كثيرة حتى جاء بالنتائج التي نراها.