تم تتويج المديرية العامة للأمن الوطني بجائزة التميز الإفريقي في مجال الإدارة الرقمية، وذلك على خلفية التطورات التي حصلت في أدائها على مستوى إنجاز البطاقة الوطنية، وكانت المديرية قد دخلت العصر الرقمي من أبوابه الواسعة إذ أطلقت البطاقة الوطنية الرقمية بل وضعت مشروعا للتحول نحو “هوية رقمية كاملة” تمنح الوثاقة لكل الوثائق والسندات الإلكترونية الصادرة عن هذه الإدارة.
تتويج يطرح سؤالا جوهريا: متى تنتقل عدوى الحكامة الرقمية إلى باقي الإدارات؟
تحول المديرية العامة للأمن الوطني نحو العصر الإلكتروني جاء بمكتسبات كبيرة جدا، بل أجاب عن قضية ومعضلة جوهرية يعاني منها المغرب بل أغلب الدول ألا وهي الفساد الإداري. عن طريق الحكامة الرقمية تقطع الطريق على كل من سولت له نفسه تنغيص حياة المواطنين، ومطالبتهم بأشياء ليست من صميم القانون بغرض الابتزاز قصد الإخضاع من أجل الحصول على مغانم سواء كبيرة أو دراهم معدودات.
التحول نحو الإدارة الرقمية هو الكفيل بإنهاء سلطة الموظف على المواطن، فامتلاك الموظف لقرار إصدار الوثيقة يتحول إلى سلطة بيده، بواسطتها يتحكم في رقاب المرتفقين، الذين يلزمهم الخضوع له قبل الحصول عليها، بينما إذا تحولت الإدارة إلى الزمن الرقمي فإن الموظف لن يكون سوى مدير لـ”النظام المعلوماتي” وللتطبيقات، التي وحدها تمنحك حق الحصول على الوثيقة.
استخدام الأنظمة المعلوماتية يحد من طلبات الموظفين، الذين يفرضون “شروط الخزيرات” على المرتفقين في سبيل ابتزازهم والحصول منهم على عمولات غير قانونية، لأن النظام المعلوماتي يفتح عن طريق خانات واضحة لا دخل للموظف فيها.
كما أن الإدارة الرقمية هي الآلية المنسجمة مع العصر الراهن، الذي يعتمد الذكاء في كل شيء ربحا للوقت، الذي نقرأ منذ الصغر أنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولكن “إدارتنا” لا تقطعه وتتركه يقطعنا، فمن غير المنطقي في زمن السرعة أن نبقى معتمدين على أدوات عافها الزمن، بل إن استعمال الورق هو استمرار في إنهاك الميزانية وإنهاك البيئة كذلك.
المعضلة الوحيدة المطروحة على السندات الرقمية هي الموثوقية، وبما أنها تحققت مع المديرية العامة للأمن الوطني فيمكن طبعا، نقلها إلى باقي الإدارات، بمعنى أن تصبح هذه المديرية نموذجا رائدا في الميدان.
فبحساب الزمن تعتبر المدة التي تولى فيها عبد اللطيف حموشي، إدارة هذه المؤسسة غير طويلة، وبالتالي فإن تحقيق هذه النتائج الباهرة في الحكامة الجيدة والحكامة الرقمية يعتبر إنجازا كبيرا قابلا للتنفيذ في إدارات أخرى وكل ما ينقص هو الإرادة التي توفرت لدى حموشي منذ قدومه إلى هذه المؤسسة حيث وضع فيها خبرته وتجاربه، ومكنها من نظام في التسيير عادل حيث يجمع بين “إنصاف موظف الشرطة ومبدإ اللي فرّط يكرط”، كما أدخل العصر الرقمي الذي سهّل مأمورية رجل الأمن في تأدية مهامه.