سناء البوعزاوي
تعتبر حالات الإكتئاب من الإضطرابات النفسية الأكثر إنتشارا في بلدان العالم بما في ذلك المغرب . و تبرز هاته المعاناة اليومية بشكل بارز و ملحوظ عند بعض فئات المجتمع في أوقات معينة من السنة و دون سابق إنذار وتتكرر في نفس الفترة، خصوصا مع دخول فصل الخريف و الشتاء و التي تتلاشى مع حلول فصلي الربيع و الصيف حيث يصبح الفرد في هاته المدة متشنجا ، فاقدا للمتعة و الإهتمام بالأشياءو الرغبة و اللذة في الحياة ، محبطا ، فاقدا للشهية أو مقبلا بنهم و شراهة على الأكل ، يلتهم فكره الخمول و يتخبط بين آلاف الأفكار السوداوية … يشخص المختصين في المجال النفسي و المعالجين في ميدان الطاقة هاته المعاناة النفسية بإكتئاب من نوع آخر يسمى”الإكتئاب الخريفي” !
هناك عدة نظريات تفسر دخول الشخص في هذا النوع من الإكتئاب ، دون سابق إنذار و بالرغم من عدم تواجد مشاكل أو أزمات أو “أرض خصبة ” لظهور هذا الإضطراب في حياة الفرد ، من أبرزها ، عدم التعرض بشكل كافي لأشعة الشمس في هاذا الفصل الذي نمر به ، حيث أن نقصان “فيتامين د” في الجسم و الذي نستمده بوفرة من ضوء الشمس يضع الجسم في حالة خمول غير طبيعية ،و هذا يفسر بشكل واضح الإنتشار الكبير للاكتئاب الموسمي في الدول الإسكندنافية بشكل خاص ، و كما نردد دائما ؛إذا عرف السبب بطل العجب ، فإذا توقف الواحد منا اضطراب للمزاج في هاته الفترة من السنة ، فليحاول إنقاذ نفسه و انتشال روحه من الوقوع في براثين الإكتئاب الذي قد يصبح مزمنا ، ملازما لصاحبه طول حياته، هذا المرض الذي أعطاه أبوقراط إسم “الملنكوليا” وعرب إلى “الماليخوليا”، و الذي يستقطبالمئات من سكان العالم سنة بعد سنة حيث لا يصنفكمرض العصر بل يعتبر مرضا قديما ، قدم الإنسانية ، و يصيب امرأتين لكل رجل !
و مع أن هاته المعانات النفسية هي عالمية ،هناك جمهور عريض ليس على علم كامل بهذا الإضطراب أو يتجاهل أعراضه ، لاستحيائه من تصنيفه “كمكتئب” و مخافة تلقي الأحكام المسبقة من بعض الناس ، أو الأقرباء أنه صار “أحمقا” و شعوره بالذنب و عدم الإرتياح لمخالطة الناس وإحساسه بالراحة في العزلة والانعزال ، لعدم انخراطه نفسيا في إقبال الناس على الحياة. لذا أول خطوة للخروج من هذا النفق المظلم يجب أن تتحدث إلى شخص قريب منك حول أفكارك و إحساسك ، هذا سيكسر قيودا نفسية مهمة و يحررك من الإحراج و يجعلك تتطرق إلى أفكار أخرى و تنظر إلى عالمك الصغير من زاوية أخرى منيرة ، ناهيك عن ممارسة الرياضة و الحركة البدنية و لو ممارسة رياضة المشيلبضع خطوات ، هذا سيساعد جسمك على تحرير هرمونات السعادة “الدوبامين ” ، و تمكنك من الاستفادة من ضوء النهارفينشط دماغك وتقهر الإحساس بالإحباط و تتخلص منه .
كما نريد أن نشير إلى نقطة مهمة في هذا الصدد ، أنه من الوارد جدا ألا يحس الشخص بدخوله في هذا النوع من الإكتئاب العاطفي الموسمي ، لكن محيطه و أسرته التي تعيش معه و أصدقاءه المقربين بحكم احتكاكهم الشبه يومي معه ، يجعلهم أول من يلاحظ هذا التغيير في النفسية و التعامل لقريبهم ، لذا نسطر على أهمية احتواء الأقرباء للشخص المكتئب و أن نكسر صنم “الحشومة ” في تناول مثل هاته المواضيع التي تترك أحبابنا يقطعون في أنفسهم داخليا لإستحيائهم من الفضفضة و التعبير عن ما يخالج شعورهم الداخلي و شعورهم بالذنب أو الإقصاء المجتمعي و الذي يكون فقط في مخيلتهم ، لأن من منا لم يشعر و لو لوهلة في فترة من فترات حياته بنوع من السوداوية و تشتت الأفكار و عدم تقبل الواقع و ما إلى ذلك من الأمثلة الحياتية التي سنسرد بعضها للذكر و ليس للحصر ؛فترى بعض النساء مثلا تحيط بهن هالة من الحزن١ و الإكتئاب بعد و ضعهن لمولودهن لمدة تتراوح بين 15 يوما و شهر ، بعض النساء سيخفين ما يحسسن به لتوقعهن أن لا أحد من العائلة سيتفهمهن ، أو يسحسسن بهن ، بل من الوارد أن يصبحن حديث الألسن و موضوع اللوم و الملامة ، و عدم تقدير نعمة المولود الجديد ، بل بعض الناس سيطلقن العنان لأفكارهم الملطخة بالكثير من الجهل و عدم الإيمان و سيطلقن أحكام عن بعض الخزعبلات الفكرية و المتوارثة ! بيد أنه حسم علميا أن المرأة تفقد مع الولادة و مع نزول المشيمة بعض الهرمونات المتراكمة مع الحمل ، و من بينها هرمونات السعادة ، و هذا ما يفسر دخول الأم الحديثة العهد في إكتئاب ، وبكاء و إحساس بالضغط يسمى بالإنجليزية ” البيبي بلوز” ! وكم سمعنا من حالات طلاق تعقب فترة النفاس و كم من عائلات تفرقت في فترة العقيقة ، فقط لعدم الوعي بمثل هاته المسائل و لجهل البعض و خصوصا الأزواج بنفسية زوجاتهم في هاته الفترة ، توقعا منهم أن هاته اللحظة من المفترض أن تكون السيدة فرحة و تملؤها الغبطة بمولودهما الجديد و لا يعلم محيطها أنها تتخبط في كآبة “جد طبيعية ” لا تعلم مصدرها و لا تجد المساند و لا المطبطبحتى تتخطى هاته المطبة !
و في المقابل تجد رجالا ، في بعض الشركات و في فترات معينة من السنة مثل فترة الحسابات الدورية و من كثرة الضغط ، يدخل الإنسان في اكتآب لا يترجم دائما في العزلة ، بل يمكن أن يمثل على هيأة غضب و صراخ في البيت أو تكسير و انفعال ، فالمقصود هنا هو الوعي ثم الوعي بظروف بعضنا البعضوبهذا المرض الفتاك الذي من الممكن احتواءه قبل تجذره و تمكنه من الشخص ونفسيته .
كما يجدر الإشارة أن الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب تزيد عندهم خطورة الإصابة بالإضطراب العاطفي الموسمي ، فتزيد عندهم نوبات الهوس الذي يكون في بعض الأحيان خفيفا و في أحيان أخرى يرتبط بالهياج و القلق و سهولة الإستثارة ، كالإفراط في اقتناء الأشياء الغير الضرورية و التي يقع بعدها الندم و الحسرة ما يزيد الشخص المصاب كدرا و ضيقا . و للختام نطمئن قراءنا الأوفياء ط، أن الإكتآب الموسمي ، ليس مرض اكتآب في حد ذاته ، ولكنه مجرد نوبة ، يمكن أن تأخذ إسم “اعتلال في المزاج ” ، و الذي قد يتحول لحالة مرضية إذا استمرت الأعراض و جاءت بفترات متكررة ! لذا فالخبراء في المجال النفسي ينصحون بعدم الإستسلام للمزاج المعتل لأنه يتسلل للأشخاص تدريجيا حتى تتحول الأعراض إلى حالة مرضية تتطلب الخضوع لبرنامج علاج . و من أجمل ما قيل عن فصل الخريف : “كثيرون منا يظلمون فصلالخريف ،فيقال أنّه أسوأ فصول العام، حيث أنه موسم الهرم والوداع، ولكن له ميزاته التي يستمتع بها الكثير منا، فنسماته الباردة تكسي الشوارع باللون الذهبي، رغم أنّه لون ذبول أوراق أشجارها إلّا أن ذلك مؤشراً لانبعاث جديد، فما بعد كل موت حتماً حياة، هكذا خلق الله طبيعته”.
فانظروا إلى الوجه المشرق للخريف فهو يأتي لكي يكون سبباً في تجدد الأشجار في الربيع!