لا يمكن تهريب النقاش الحزبي بعيدا عن أعين المواطنين، ولهذا منذ أن شرع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مناقشة المقرر التنظيمي، الذي يبيح لإدريس لشكر، الكاتب الأول، أن يترشح لولاية ثالثة شارك مثقفون وسياسيون ومهتمون وحتى رواد السوشال ميديا في هذا النقاش الدائر، وحتى داخل الاتحاد نفسه هناك من يعارض الولاية الثالثة، لكن أن تنطلق أصوات من داخل الحزب وتقول للآخرين “ليس شأنكم” وهذا “شأن سيادي للاتحاديين”.
من حيث التصويت والحسم في القوانين ومن يكون كاتبا أول أو لا يكون هذا حق للمناضلين وحدهم، وهم وحدهم من يحق لهم اختيار البرنامج والسياسات واختيار الأجهزة التي تمثلهم، ولا خلاف على هذا الأمر. لكن من يقول إنه لا يحق لغير المتحزبين مناقشة أمر داخلي للاتحاد الاشتراكي.
نقول لهؤلاء: إنكم مخطئون. لماذا؟ ولماذا من حقنا ومن حق الجميع مناقشة الشأن الحزبي للاتحاد الاشتراكي دون أن نخفي رغبتنا في التأثير وصناعة رأي عام حزبي؟ لماذا يمتلك كل واحد هذا الحق؟
فالحزب، أي حزب يحصل على الدعم العمومي، أي يتم تمويل جزء كبير من ماليته من جيوب دافعي الضرائب. فكيف يعقل أن تكون أموالنا حلالا ونقدنا حراما؟ بمجرد أن يحصل أي تنظيم أو مؤسسة على المال العام يصبح أمره عاما.
لكن أكثر من ذلك، فالحزب مؤسسة وسيطة بين الشعب وباقي المؤسسات، كيف لا نتدخل في الحزب السياسي وهو مرشح لتدبير الشأن العام، بل أكثر من ذلك نتدخل في الاتحاد الاشتراكي اليوم، ليس لأنه سيدخل الحكومة غدا أو يقودها، ولكن لحاجتنا اليوم إلى معارضة قوية لمواجهة “تجمع المصالح الكبرى” ضرورية جدا، ولا يمكن أن تكون مع كاتب أول اقترح نفسه للمشاركة في الحكومة وتم طرده خارجها، ومن حقنا نحن أن نقول إننا تضررنا من وجود هذا الرجل على رأس حزب القوات الشعبية.
كيف لا نتدخل في حزب سياسي وهو يمكن أن يمارس غدا تدبير الشأن العام؟ ألسنا مسؤولين عن مراقبة من يسير أمورنا؟ والحزب السياسي هو من يختار الوزراء، وهو من يختار المسؤولين، وهو المسلك الذي تخرج منه الأطر، وله الحق في التعيينات وكثير من القضايا. والحزب الذي نناقشه عيّن في كثير من المسؤوليات. حزب قد يعارض وقد يشارك في الحكومة ويحصل على المال العام ويشارك في تدبير الشأن العام معارضة وتسييرا ويقترح أسماء في مناصب مهمة وفي تعيينات كثيرة، ومع ذلك يستكثر علينا بعض أبنائه أن نقوم بنقده.
لم يعد الحزب شأنا خاصا، وخصوصا بعد دستور 2011 ازدادت سلطته، التي يحوزها من كونه هو من يقرر شكل الحكومة، فالتحالف الحزبي يقترح الوزراء ويفرض البرنامج ويضع قانون المالية، فهذه السلطة التي يمتلكها الحزب اليوم تدفع الجميع إلى المشاركة في النقاش الدائر داخله وهو حق مكتسب من كون الحزب يحكمنا من خلال الحكومة.