بالنسبة للاقتراع بالجزائر الذي يوصف ب”المزيف”، ليست التمثيلية هي التي تشغل السلطات ولا إنجاز هذا الموعد في حد ذاته، بقدر ما يسعى هذا المسلسل إلى وأد أي أفق سياسي خارج اللعبة المؤسساتية. وقد تعرف هذه الانتخابات، التي تجري في أجواء غير مواتية، يطبعها استمرار التوترات، والاعتقالات التعسفية، وإغلاق الحقلين الإعلامي والسياسي، نفس مصير المواعيد الانتخابية السابقة.
وسيكون أول امتحان يتعين على السلطات الجزائرية مواجهته، بالتأكيد، هو خطر ارتفاع معدلات الامتناع عن التصويت، حيث يبقى هذا الأخير “القوة” السياسية الأولى بالجزائر.
فخلال الاقتراع الرئاسي لسنة 2019، لم يتوجه 60 في المائة من الجزائريين المسجلين في اللوائح الانتخابية إلى صناديق الاقتراع.
ومن نافلة القول إن شبح امتناع مكثف يرخي بظلاله على هذه الانتخابات التشريعية، التي تعد بمثابة اختبار للسلطة، التي اختارت لها شعارا على المقاس هو “فجر التغيير”، وهو تغيير قد لا يحدث، ولربما تحول إلى كابوس.
ولعل ما يعزز هذه الفرضية، هناك بالخصوص تلك الأجواء الباهتة التي جرت فيها الحملة الانتخابية، التي لم تحظ بمتابعة كبيرة، ولم تثر نقاشا عموميا حقيقيا، وحيث واجه المرشحون جميع الصعوبات لتعبئة حشود متمردة وغير مستعدة للقبول بالأمر الواقع الذي اختاره النظام الجزائري لتلميع صورته.
ومما لفت الانتباه في هذه الحملة، التي اختتمت في أجواء من اللامبالاة، هو “غياب الحماس”، الذي لاحظه قادة تشكيلات سياسية.
فلا الأحزاب التقليدية المقربة من الرئيس، ولا تلك التي تدعو إلى التصويت كوسيلة لتجذير الحراك، نجحت في إعطاء زخم لهذه الحملة، التي جرت بالأساس على شبكات التواصل الاجتماعي، وحملت في بعض الأحيان خطابات للكراهية والانقسام بين الجزائريين.
فكل شيء يدل على أن دعوة المعارضة للمقاطعة قد تحظى باستجابة واسعة، وهو ما من شأنه أن يفقد هذا الموعد المصداقية، ويدفع بالبلاد إلى مأزق سياسي يعري نظام يرفض أن يجدد نفسه والاستجابة لانتظارات الساكنة، التي فقدت الثقة في النظام، منذ أمد بعيد.
كما أن حزب جبهة القوى الاشتراكية قرر عدم تقديم لوائح لمرشحين، معتبرا أن “شروط إجراء انتخابات تشريعية غير متوفرة”. وسار جبهة القوى الاشتراكية، أعرق أحزاب المعارضة الجزائرية، على خطى حزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والتي اعترضت على “خارطة طريق” النظام الذي ينظم هذه الانتخابات المبكرة، دون أخذ مطالب الحراك بعين الاعتبار، هذا الأخير الذي يرفض هذه الانتخابات، متسائلا حول الشرعية التي ستكون لهذا الاقتراع، في حلة تمت مقاطعته.
ويرى الحراك أن “الحملة تم القيام بها من قبل النظام الجزائري، وخاصة عبر تلفزيون الدولة. فقد جرت في أجواء من العزلة، كما أن أغلبية المرشحين أعلنوا أنهم مستقلون، أي ليس لهم أي إشعاع وطني”.
وفي الوقت يواصل فيه نشطاء الحراك وقوى المعارضة المطالبة بتغيير جذري للحياة السياسية بالجزائر، فضل النظام الجزائري الهروب إلى الأمام، عبر تنفيذ “اعتقالات تعسفية”، وكذا “مضايقة المتظاهرين”.
وذهبت وزارة الداخلية الجزائرية إلى حد فرض تصريح مسبق لدى السلطات على المظاهرات، وهو ما يعني منعها. أما في الميدان فقد جرى خنق المظاهرات في العديد من المدن، كما تضاعفت الاعتقالات على أمل خلق نوع من الهدوء يوم الانتخابات، وهو اقتراع قد ينقلب إلى فشل ذريع جديد لنظام تبون.