سناء البوعزاوي
بما لا يدع مجالا للشك أن الآباء و الأمهات يحرصون على تنشئة أطفالهم بالطريقة التي تبدو لهم صحيحة و سليمة قدر الإمكان ، و معظمهم يحاولون أن يبحثوا بما أوتوا من قوة لتقصي و اكتساب مهارات و أساليب جديدة و حديثة ، لم يعيشوها مع ذويهم ، سواء باقتناء كتب للتربية أو استشارة خبراء و مختصين في هاذا المجال .
فهذه إذن ظاهرة صحية تبين مدى وعي الجيل الحالي بأهمية علم و فن إعداد الأبناء . لكن و كما يقول المثل تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فإن ضغوط الحياة و المهام الكثيرة و الكبيرة المطلوبة من الوالدين تعرضهما بشكل أو بآخر للوقوع في بعض الأخطاء التربوية التي قد يقترفونها دون قصد و التي قد تؤثر سلبا على حياة أطفالهم المستقبلية .حيث أن تأثير التربية لا يقتصر على مرحلة الطفولة ، بل يمتد تأثيرها طوال العمر .
من خلال مقالنا هاذاسنحاول جرد أهم خمس سلوكيات تربوية خاطئة و التي تسبب إنهاكا لنفسية الأبناء، محاولة منا توضيح مدى خطورتها و كيفية اجتنابها..
-أولا عدم الإلحاح على الأبناء بالتفوق في دراستهم ! قد يستوقف الواحد منا هاته النصيحة ، لكن الدراسات العالمية تؤكد أن الأطفال يصابون بمرض الإحباط و الضيق في حالة عدم تفوقهم وحصولهم على المرتبة الأولى في صفوفهم مع كثرة وحدة الإلحاح فيشعرون بهاجس و تعب وقلق بسبب كثرة الجزر و المحاسبة تارة و التوبيخ و العقاب تارة أخرى. إذا صح التعبير ، من البديهي حثهم على التفوق، لكن دون إلحاح يتسم بالضغط، و مصحوب في أغلب الأحيان بالتهديد و التأنيب و العقوبة .
و من بوادر الخير نجد بعض المؤسسات التعليمية المغربية بدأت تأخذ بعين الاعتبار هاذا الجانب ،وخصوصا وحصريا بالنسبة لأطفال الابتدائية ، حيث يعتمدون على رموز تقيم مستوى الطفل دون تقييمه بالنقط التي تكون في بعض الأحيان محبطة و في أحيان أخرى تكون سببا لكره التلميذ لتلك المادة طيلة حياته .
-ثانيا ، الإبعتادعن الحكايات و الأفلام الخرافية ، كالرجل الخارق ، الرجل العنكبوتي…و ما إلى غير ذلك، فتربويا و عالميا قبل أن يكوندينيا ، تبين لهم أن هاته القصص دمرت الأبناء و البنات و جعلتهم فاشلينفي حياتهم لأنهم يحلمون بهذه القوى الخارقة . يجب أن تكون تربيتنا واقعية لما هو متاح وسائد ، و إذا كان لابد أن نعلمهم القيم ، فبحكاية قصص الأنبياء و الصالحين، و الصحابة الأطهار و الطيبين من الناس ، هذه قصص حقيقية نحيكها لهم، حتى يفهموا أننا لا نطالبهم بأشياء واهية، و مستحيلة، بل يمكن فعلها و تحقيقها، لأن هاته الصفات ، قام بها بشر وتحلوا بها أناس ، و كانوا بها عاملين ، إذن فلنبتعد عن هاته الأوهام و الخرافات و الخيالات ؛ لأنها مضرة تربويا .
-الأمر الثالث ، الذي من الواجب علينا كآباء تركه، هو أننا حينما نعاتب أطفالنا على خطأ إرتكبوه، نبين لهم أننا نكره هاذا الفعل ، أو هاذا التصرف ، أو هاذا الخلق فيهم ، و نؤكد أننا نحبهم دائما و لا نكرههم هم بعينهم، بل نمقت ذلك الفعل و ليس الشخص ، و كما يقول المثل ، التعميم لغة الجهلاء ، فلهاذا يكون موقفا من الفعل لا يشمل الشخص بأكمله . فعلى سبيل المثال ؛ لا نقول للطفل، أنت فاشل ، لا تصلح لشيء، بل أنت أخطأت ، و أكره هاذا العيب أو أذم هاذا التقصير فيك، و لا أكرهك أنت ، أحبك و مازلت أحبك ، لكن حبي لك لا يعني أن تتمادى في هاذا التصرف بل عليك التخلي و الإقلاع عنه.
-رابعا، الأمر الذي نحذر منه وهو شتم أطفالكم ،و واتهامهم بألفاظ جارحة وسبهم بأوصاف لا تليق بهم ، تشبيههم بالحيوانات ، كل هاته الأمور ليست تربوية في شيء ، سواء النطق بها مع أطفالنا أو غيرهم ، لكنها مع الصغار هي أشد قبحا وأشد ضررا تربويا، يجب أن يكون كلامنا مع فلذات الأكباد سليما و جميلا و صحيحا ، يجب الابتعاد عن الكلمات غير اللائقة وهجرها تماما وكليا.
خامسا و أخيرا ، من الطبيعي تأديب و تهذيب الطفل إذا قام بفعل مشين أو أنه تفوه بكلام منبوذ ، لكن من الضوابط الجيدة ألا نأدبه عندما يرتكب الفعل لأول مرة ، لأنه لا يعرف بالأساس أنه تصرف غير مناسب ، أو يجهله تماما ، بل من الواجب أن نفسر له بهدوء وليس بانفعالية، لأن عند الغضب ممكن أن نشتم و نتمادى و نتجاوز الحد. فتصبح بذلك طريقة التهذيب تحتاج نفسها إلى تهذيب، كمثل أن نشتمه إذا شتم أخاه أو صديقه وهاذا أمر متناقض و غير مقبول. فإذا وقع الإبن في نفس الخطأ و كرره ولم يرتدع، عند ذلك ممكن معاقبته مثلا بحرمانه من شيء يحبه ،لكن يجب لفت النظرله أن هاذا الحرمان جاء لعدم الإلتزام لكي يكون لردة فعل الأم أو الأب تفسير واضح و صريح و لا يعتبر ظلما في حق الأبناء. كل هاذا يتم في منأى عن أنظار المحيط أو العائلة لكي لا يأثر على نفسيتهمفكما هو مشاع ، النصيحة أمام الملأ فضيحة ، و هاذه النقطة جد مهمة .
وأخيرا نقول أن الوالدين هما مرآة الطفل ، فما نذمه من قول أو فعل لا نقوم به أمام أبنائنا ؛ فعلى سبيل المثال ، لا أحبذ أن يكون إبني كاذبا ، لا أكذب على أحد أمامه ولو على سبيل المزاح، أيضا ، إذا لم أرد أن يصبح إبني مدمنا للحلوى و السكريات ، لا أتناولها و أحرمه هو ، فنكون دائما ذلك المثل الذي يتحدى به ، فالبيت هو مجتمع مصغر ، إذا صلح الفرد فيه صلح كله أو معظمه ، والتربية لا تغير الطباع بل تروضها و تهذبها . فرحم الله من عمل عملا فأتقنه .