وصلت قضية التعليم في المغرب إلى الباب المسدود، والمعادلة لا يجرؤ عليها اليوم أي عقل علمي لحلها، وزارة أخرجت القانون الأساسي وصوت عليه البرلمان وأصبح ساري المفعول، وأساتذة يعتبرون أنهم متضررون وهم يشرحون ذلك بالخشيبات، وتلاميذ في الشارع بعد دخول الموسم الدراسي شهره الثالث، وآباء يبكون لأن أبناءهم معرضون للضياع، وبين موسم أبيض أو أسود واستئناف الدراسة بشكل متعثر يعيش المغاربة، والحكومة في خبر كان من الموضوع، لكن الواقع لا يمكن تفاديه.
بجملة واحدة نقول: التعليم قضية وطنية.
ما معنى أن يكون التعليم قضية وطنية؟ هذا يعني أن الملف أصبح أكبر من الحكومة الخاضعة لـ”تجمع المصالح الكبرى”، وبالتالي ينبغي انتزاع ملف التعليم من الحكومة ومن وزارة التعليم، لكن في الوقت ذاته لا يمكن التعويل على المجلس الأعلى للتعليم، الذي اقتصر دوره على تقارير دورية عبارة عن توليفات صحفية أو تقارير إخبارية، حيث لم يتحول إلى قوة اقتراحية، وإذا أريد لملف التعليم الحل ينبغي إما تشكل لجنة وطنية أو تغيير المجلس الأعلى للتعليم قصد تولي الملف والخروج بقرارات تعتمدها الدولة في معالجة الملف.
التعليم قضية وطنية لا يقل أهمية عن كل القضايا الوطنية، بل كل القضايا اليوم رهينة له، حيث لا يمكن مواجهة التحديات بمجتمع ضيّع ملايين الساعات من التعليم والتعلم، يعني كي نحافظ وندافع عن باقي القضايا الوطنية لا بد من جيل متعلم تعليما كبيرا نستطيع بواسطته منافسة الآخر ومواجهة التحديات.
إن الذي يفكر اليوم في التعليم له منظور بسيط خصوصا الاعتماد على النقل والتكرار، وهما قاعدتان تضران دماغ البشر، ويتم الاعتماد على دراسات موجودة عند الآخر ونقل ما عنده وما وصل إليه من أساليب، وهذه بحد ذاتها معضلة، لأنها ترسم لنا مستقبلا هو حاضر الآخرين، بمعنى لن نكون أمة متعلمة ذات مستقبل ولكن مستقبلنا هو ماضي الآخرين، وسنبقى أسفل سافلين.
ولهذا تأتي دعوتنا في هذا الوقت العسير، الذي تمر منه البلاد، ومن يعتقد أن الأمر يتعلق بخلاف بسيط، يكون ينظر إلى الأمر من زاوية ضيقة، ولا نريد تحميل أي واحد المسؤولية، ولكن نعتبر أن الملف أصبح أكثر من أن تديره الحكومة، التي تفتقد الحكمة والرصانة، ولا يهمها سوى غلق الملفات، ولكن لا يمكن إغلاق الملفات إذا لم يكن هناك تدقيق في طبيعتها ودرساتها بشكل جيد، والجواب عن أسئلتها من منظور مستقبلي.
فالحكومة الحالية وفي كل الملفات تتعاطى معها كطفل صغير يريد أن ينهي استظهار بعض الدروس بسرعة البرق حتى لا يتعثر، ثم يعتبر نفسه أنهى مهمته التاريخية، لكن واقع الحال يقتضي علاج الأمور بما تتطلبه من عمق وروية واستيعاب للإشكالات المطروحة، حيث لا يمكن أن يسمح المجتمع في ضياع جيل من المتعلمين.