تم أخيرا التصويت على الجزء الأول من قانون المالية بـ206 أصوات مقابل 67 للمعارضة وامتناع واحد، وبذلك يكون قد مر من الغرفة الأولى بسلام وأمان، في انتظار أن يمر أيضا وبالطريقة ذاتها في مجلس المستشارين، مادامت الحكومة تتوفر على أغلبية جد مريحة بالغرفتين، والتصويت الحالي لا يمكن تفسيره إلا بتحشيد النواب لهذا اليوم المعلوم، وحتى يتم بعث رسائل في اتجاهات عديدة، ومن حق الأغلبية أن تحشد برلمانييها للتصويت، وتطلقهم بعدها لحال سبيلهم.
وأي حق تم استغلاله في غير أوجهه المنوطة به، فسيكون وبالا على الجميع، وسيستنزف رصيد المغرب في مجال التشريع والديمقراطية، وهو رصيد لحد الآن إيجابي، لكن بطريقة التغول التي تمارسها الحكومة الحالية، سنفقد الكثير، لأن الأغلبية العددية لا يعني سحق المعارضة، فسنكون أمام توجه خطير، تكون فيه الأغلبية الحكومية ممثلة في البرلمان بأغلبيتها النيابية العددية، وبالتالي سيكون “تجمع المصالح الكبرى” له من يدافع عنه بشكل قوي.
في مسار مثل هذا سنجد أن أصحاب المصالح سيجدون أنفسهم في التشريعات بينما الأغلبية الصامتة من المواطنين لن تجد من يمثل صوتها، وهنا نفقد التوازن وتختل الموازين، ومن فقد توازنه واختلت موازينه سقط “سقوطا فيزيائيا حرا”.
فقانون المالية، المصادق عليه بهذا الكم الذي تم تحشيده لغاية واحدة هي التصويت، لم يتم الاستماع فيه للبرلمان كأداة لتجويد القوانين قبل التصويت عليها، والحكومة منتشية بتصفيق أغلبيتها العددية، ودائما من يصفق لك في كل الأوقات غالبا ما يخونك في النهاية ويتركك تسقط لوحدك، وبما أن الحكومة منتشية بتغولها العددي فقد رفضت كل التعديلات التي تقدمت بها المعارضة، إلا بضعة منها من غير ذات جوهر.
رفض تعديلات المعارضة على قانون المالية هو انقلاب على جوهر العملية الديمقراطية، التي تقتضي حماية حق الأقلية ولهذا منحها الدستور رئاسة لجنة وهي ذات أهمية أي لجنة العدل والتشريع، لكن الأغلبية اليوم لم تعد ترى من حق للأقلية، التي بوأها الدستور مركزا مهما في الترتيب من حيث الفصول إذ جاءت متقدمة بشكل كبير على الحكومة وأغلبيتها، بل خصها بالفصول الأولى.
وقلنا سابقا إنه لا معنى بتاتا لفصل السلط دون معارضة قوية ولها مكانتها، لأن الأغلبية في الحكومة هي نفسها الأغلبية في البرلمان، وبالتالي تتحول إلى أداة للتصويت فقط، بينما المعارضة قادرة بما منحها القانون على استثمار وجودها في فرملة سرعة الحكومة إذا كانت غير اجتماعية.
اليوم نحن أمام قانون مالية تم فيه التراجع ليس عن البرامج الانتخابية للأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي، ولكن تراجع قوي عن الوعود التي تم إطلاقها في البرنامج الحكومي الذي بواسطته نالت الحكومة ثقة البرلمان وتم تنصيبها بعد تعيينها من قبل جلالة الملك، وتراجعت عن نسبة النمو وعن دعم الفئات الاجتماعية وفرص الشغل ومضاعفة المخصصات الاجتماعية التي أصبحت فقط عناوين لمشروع غير واقعي.