محمد عفري
المتأمل في “المشهد” المغربي، يخرج بخلاصة مفادها أن المملكة الشريفة تسير بخطين غير متوازيين، خط الدولة بمؤسساتها الضامنة للاستقرار والأمن الشامل، عبر تثبيت اقتصاد صاعد ومتنوع وتنمية مستدامة، قوامهما الاهتمام بالرأسمال المادي واللامادي والبنيات التحتية والتجهيز واللوجيستيك وما إلى ذلك، وخط يسير ببطء يعرقل المجهودات المبذولة من أجل مغرب صاعد في اقتصاده، رائد في محيطه وإقليمه، ومشعّ خارج القارة التي يتجذّر فيها ويتفرع إلى باقي العالم، وأقربه أوروبا.
أقل الأمثلة وأوضحها على الخط المُعرقل هي المعارضة الشرسة التي تأبط أسلحتها المختلفة، في هذه الأيام، العدالة والتنمية، الحزب المؤثث لـ”أغلبية” الحكومة، ومنها فوضى الإنزال” الخارق” بالبرلمان، من أجل تضييق التصويت على قانون القاسم الانتخابي، وأسلوب التباكي والاستقالات ضد التصويت على تقنين القنب الهندي. أما البقية من المثبطات، فيعرفها الصغير والكبير من المغاربة، كما يعرفها القاصي والداني من المغرب الحديث، على امتداد أكثر من خمس سنوات قضاها عبد الإله بنكيران على رأس الحكومة، ولسانه مشحوذ على تهديد الوطن والمواطنين ووعيدهم ببعث “الربيع العربي” والعودة إلى الشارع للاحتجاج، كلما تعلق الأمر بالمشاريع المختلفة التي تصب في صالح المواطنين قبل الوطن.
لا أحد ينكر أن التنمية المستدامة المتنوعة التي سلكها المغرب، بداية من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا “كوفيد-19″، كانت بقيادة ملكية وعبقرية ملكية أيضا، كما لا ينكر إلا جاحد أن الاستثمارات الأجنبية الكبرى التي تم جذبها للمغرب لتحوله إلى قبلة صناعية وتنموية عالمية خلال العقدين الأخيرين، كان وراءها العلاقاتُ الملكية الشخصية مع قادة الدول الصديقة والشريكة، ليبقى السؤال ماذا قدم رئيس الحكومة الحالية سعد الدين العثماني وسلفُه عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابقة، غير وضع العراقيل في سكة قطار التنمية المغربي الذي شكل نموذجا أسال لعاب الأصدقاء ووقف شوكة في حلق الأعداء.
هكذا أمكن القول إن قطار التنمية في المغرب شق طريقه قبل قرابة عشرين سنة خلت، على الرغم من أن مسامير عدة وضعت لعرقلته.
بعيدا عن هذه العراقيل والمثبطات، قريبا من قطارات التنمية التي ميزها دخول المغرب نادي الدول المعتمدة على الخطوط فائقة السرعة، بمشروعه الناجح “البوراق”، ها هو أصبح قريبا من دخول نادي الدول المعتمدة على القطارات صديقة البيئة، حيث أكدت الزميلة “لوموند” أن المغرب، ضمن لائحة “زبناء” كبار، منهم بريطانيا وبلجيكا والدنمارك وإسبانيا وهولندا، مهتم بمشروع سككي آخر لا يقل أهمية، ويتعلق الأمر بقطارات “الهيدروجين” التي تنتجها الفرنسية “ألستوم”، وتمثل قفزة نوعية في مجال النقل السككي بالعالم وأوروبا، حيث إنها من آخر صيحات المركوب السككي الذي يُستخدَم دون انبعاثات كربونية.
فالمغرب الذي أفلح في أن يكون رائدا عالميا في الحفاظ على البيئة، انطلاقا من برنامجه الكبير لإنتاج الطاقات المتجددة والعديد من الصناعات “الخضراء”، لا بد وأن يكون أول المنخرطين في هذا النوع من النقل واللوجيستيك المتطورين، لتتمة عقد صناعاته البيئية، التي نالت إشادة أممية واعترافًا دوليًا ونغّصت على أعدائه الذين يفتقرون إلى الطرقات والسكك، فما بالك بـ”التي جي في” و”الهيدروجين تران”..
الذي يعرف المغرب جيدا، يعرف أن قطارات الهيدروجين ليست بعزيزة على بلد، اشتهر بانخراطه الكبير في مجال الحفاظ على البيئة وحمايتها من تأثير التغيرات المناخية، سواء على المستوى القاري أو العالمي، وكانت كلها مجهودات نالت إشادة أممية واسعة، أقلها إشادة البنك الدولي الذي لخّصها أولا في محطة نور للطاقة الشمسية التي ستؤمن للمغرب 52 في المائة من حاجياته الكهربائية بحلول سنة 2030، وثانيا في تشجيع المستهلكين على الوعي بأهمية تدبير استهلاك الطاقة، إلى جانب تشجيع الاستثمار نحو ما يسمى بالاقتصاد الأخضر، عبر التخلي عن استعمال الوقود الملوث للبيئة، وثالثا في مخطط المغرب الأخضر الذي يسعى من خلاله المغربُ إلى جعل الفلاحة المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الوطني بالرفع من الناتج الداخلي الخام وخلق فرص للشغل ومحاربة الفقر وتطوير الصادرات، ثم خامسا في التزام المغرب بحماية المحيطات من التلوث، مع ضرورة الحفاظ على المياه الجوفية التي تشكل ثروة للأجيال الحالية والمستقبلية .
المغرب وهو يراهن كدولة على تكنولوجيا قطارات الهيدروجين باعتبارها بديلا أكثر صداقة للبيئة، ولكونها تحوّل خلايا الوقود الغني بالهيدروجين إلى كهرباء عبر عملية كيميائية بسيطة وأكثر عداوة للضجيج على سككها، فإنه يقطع الشك باليقين، مؤكدا أنّ قطار تنميته الشاملة سائر في سكته السديدة مهما أحدثت مكوناتُ حزب العدالة والتنمية من ضجيج، أما أعداؤُه من الجيران، ففي غيضهم وحسدهم سيموتون.