نقد الحكومة تقويم لها لو كان أناسها يعلمون. لكن حكومتنا تظن أن “كل صيحة عليها”، بمعنى من ينتقدها يريد رحيلها، وواقع الحال نحن بلد ديمقراطي يتم فيه البقاء والرحيل وفق القانون والدستور والقواعد الناظمة. نحن اخترنا أن نكون في صف القلة القليلة التي ما زالت تقتحم ثغور الحكومة وحصونها وتنتقد سلوكها وتدبيرها السيئ عن قصد، في وقت يدور أغلب الإعلاميين والصحفيين والمؤثرين والمشهورين في مواقع التواصل الاجتماعي في فلكها.
عندما تم انتخاب حزب العدالة والتنمية وصوت عليه المغاربة، قدنا المعارضة الصحفية ضده، ليس من باب مواجهة شخص بنكيران مثلا، ولكن لأننا كنا ننبه لما خفي عن الناس وكنا نعرفه نحن، وواجهنا بالحجة والدليل هذا الحزب، لا من باب نقد تدبيره للشأن العام، وكنا نعرف أن “هولدينغ أخنوش الحكومي أقوى” حينها، ولكن كنا نحاول فضح ارتباطات بعض قادة الحزب وبعض مسؤوليه بكيانات تصنع التطرف وتصدره إلى باقي الدول، وفضحنا ارتباطات بعض قادته بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في عز “صفقاتهم” ورحلة بعض أبنائه إلى إدلب السورية ولقاءهم بجبهة النصرة وغيرها.
ولكن لم تكن لدينا خصومة شخصية مع بنكيران أو صحبه، بدليل أننا لم ننقلب مائة درجة كما فعل غيرنا، ولما غادر الحزب الحكومة لم نعد ننتقده أصلا تاركين له فرصة ترميم جراح السقوط الحر في الانتخابات. يعرف الجميع أن الانتخابات في المغرب ديمقراطية وحرة، لكن لا يمكن أن نخفي أن الناخبين تعرضوا لـ”الخديعة” من قبل حزب التجمع الوطني للأحرار.
قبيل الانتخابات مارس الحزب معارضة غير مفهومة، مع العلم أنه خلال حكومة العدالة والتنمية وخصوصا حكومة سعد الدين العثماني، كان يقود أغلب الوزارات المهمة، الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والصناعة والتجارة والاقتصاد والمالية والسياحة، وكان عند أخنوش تفويض من رئيس الحكومة للتصرف في صندوق تنمية العالم القروي، الذي كانت حساباته تصل إلى 52 مليار درهم، لكن على مقربة من الانتخابات “ألصق” الحزب كل شيء في العدالة والتنمية.
يضاف إلى ذلك أن عزيز أخنوش قدم وعودا فلكية للناخبين، منها رواتب مرتفعة للمعلمين وتعويضات كبيرة ومنح للأشخاص الذين يفوقون 60 سنة ولا يتوفرون على معاش وغيرها، وعارضنا هذه الوعود قبل نجاح أخنوش لأننا كنا نعرف أن الواقع لا يتحمل ذلك وميزانية المغرب غير قادرة على تنفيذ هذا البرنامج.
نجح أخنوش وأصبح رئيسا للحكومة وأصبح الطالبي العلمي، صاحب مقولة إذا لم ننفذ وعودنا اضربونا بالحجر، (أصبح) رئيسا لمجلس النواب، وتبخرت الوعود.
عزيز أخنوش رجل ألف تدبير الشركات. وعرف أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تشكل عائقا. وبعد أن هيمن على الصحافة وأصبحت الأغلبية تدور في فلكه، فيما أصبح يعرف بـ”النكافات”، هيمن على مواقع التواصل الاجتماعي وكون ذبابا إلكترونيا، واليوم تعاقد مع “مؤثر” بـ200 مليون سنتيم كي يقنعنا أن الزيادات قضاء وقدر خارجي ولا يد للحكومة فيه.
لكن المشكل هو أن أغلب من كانوا معه فيسبوكيا انقلبوا عليه وبدؤوا في إحراجه. فالمؤثرون لا يفهمون إلا لغة الحساب البنكي وبالتالي لن يكفيهم شيء وكما يقال “يعيا اللي كيعطي وما يعياش اللي يشد”. غير أن كثيرا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لم يعودوا يتحملون قرارات الحكومة وتدبيرها السيئ عن قصد ولهذا شرعوا في معارضتها، لأن الواقع لا يرتفع، ولا يمكن صناعة واقع افتراضي لأن الزيادات في الأسعار حقيقية.
لعبة الذباب الإلكتروني قد تكون كارثية على الجميع، لأن هذا الفضاء هو سلاح ذو حدين. فكما أرادها أخنوش مهدئا قد تكون سببا في الفوضى لا قدر الله.