تقرير جديد حول الرشوة مخيف للغاية. يبقى لاستطلاعات الرأي محتوى نسبي لكن لا يعني أنه لا يعبر عن الحقيقة، فمنسوب الصحة فيه يطلع وينزل بشكل بسيط، كما أن الوقائع واستقراءها يفيدان إلى أي مدى تبدو النتائج قريبة من الحقيقة. التقرير الذي نتحدث عنه هو تقرير صادر عن المركز المغربي لتحليل السياسات العمومية، يعتمد أدوات متخصصة في “المؤشرات”.
النتائج جاءت مخيفة، فحوالي 62 في المائة أكدوا أن الرشوة في المغرب مستشرية بشكل كبير جدا و22 في المائة قالوا إن الرشوة موجودة بمعنى 84 في المائة يقولون إن الرشوة واقع عملي لا فكاك منه، هذا الرقم يعني أن الأمر لا يتعلق بحالات هنا وهناك ولكن الأمر يتعلق بأخطبوط كبير جاثم على أنفاس التقدم.
غير أننا ونحن نتحدث عن الرشوة ينبغي أن نركز هنا على شيء جدي للغاية: لماذا تزداد نسبة الارتشاء في المغرب رغم أننا نتوفر على مؤسسات كثيرة ومنها مؤسسات تم استحداثها، وأخرى دستورية، مثل الهيئة المستقلة للوقاية من الرشوة والمجلس الأعلى للحسابات وهناك أيضا الرقم الأخضر الذي وضعته النيابة العامة رهن إشارة المواطنين قصد الاتصال بها للتبليغ عن حالات الرشوة والابتزاز مع إمكانيات كبيرة لإبقاء اسم المبلغ سرا وحمايته؟
لماذا يقع كل ذلك؟ لماذا هذا التراجع في منسوب محاربة الرشوة؟ أكثر من ذلك هل هناك مخطط يستهدف ترسيخ الرشوة في المجتمع والإدارة؟
ينبغي التأشير هنا على أن الحكومة تعتبر الفاعل الأول سواء في محاربة الرشوة أو في تكريسها.
يبدو أن الجو العام الذي خلقته حكومة أخنوش، أوحى للكثير بأن “الدنيا مطلوقة وسائبة” للغاية، لهذا نسمع كثيرا عن كثرة الصفقات غير القانونية وعن الصفق الذي لا يلتزم بالضوابط الجاري بها العمل، بل هناك أنواع من الرشى لا يمكن ضبطها قانونيا لأنها تمر عبر القوانين، وتمر عبر البنود التي يسمح بها القانون، لكن عند التدقيق تظهر أنها رشوة، كتخصيص دعم معين لجهات معينة سواء تعلق الأمر بدعم شراء الأغنام من الخارج أو دعم الفلاحة أو دعم الجمعيات الثقافية وغير الثقافية وبرنامج أوراش وغيره.
ما معنى الرشوة؟ ليست الرشوة فقط ما يسمى “قهيوة” عند كثير من المغاربة، الذين استأنسوا بكون كثير من الموظفين لا يقضون لك أمرا من حقك دون “قهيوة”، ولكن الرشوة لها أبواب وعناوين كثيرة، كأن تمنح من خلال السلطة التي بيدك أشخاصا أو تنظيمات مشاريع مهمة، كفلها القانون للجميع لكن تمنحها أنت فقط للمقربين منك، والرشوة هي انعدام الشفافية في الصفقات التي تتم خارج القانون والتفويتات والتفويضات الكثيرة التي لا رقيب عليها ولا حسيب، والتي تتم كل يوم وبـ”العلاّلي” كما يقال، حتى أصبحنا نعتقد أنه لم يعد هناك شخص يخاف من القانون.