بعث يوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين المقيم في قطر منذ أكثر من نصف قرن، رسالة صوتية إلى خلفه أحمد الريسوني، الرئيس الحالي للاتحاد، وبدا القرضاوي منهكا وكأنه يبعث رسالة وداع من خلال عبارات الرسالة، التي طلب فيها من تلميذه تبليغ سلامه إلى الجميع متمنيا ل”المسلمين” التوفيق في مساعيهم وأن يخرجوا من المحن التي يعيشون فيها.
من يستمع للرسالة ويقرأ بين سطورها يفهم أن القرضاوي لم يتمكن من كتابة وصيته فبعثها مسموعة، مؤكدا على من خلفه على رأس الاتحاد، الذي تحول من اتحاد يجمع كثيرا من التوجهات إلى اتحاد للإخوان المسلمين، أن يواصل الرسالة حتى يلقى الله عليها.
ما هي الرسالة التي يمكن يواصلها الريسوني؟ ما هي رسالة القرضاوي أصلا؟
بدأ القرضاوي حياته في صفوف شباب الإخوان المسلمين، وكان طالبا أزهريا ليس معروفا، وذات يوم أوقفته مصالح الأمن، التي كانت تطارد الإخوان بعد حادث المنشية الذي كان يراد منه اغتيال زعماء سياسيين، وبعد أن فتشوا الكتب التي يحمل ولم يعثروا على دليل يورطه أطلقوا سراحه، فقرر الخروج من مصر، وتوجه رأسا نحو قطر، التي كانت لها علاقات مع الإخوان من أربعينات القرن الماضي منذ أن كانت مشيخة.
استقر القرضاوي هناك مؤلفا للكتب التي تحولت إلى إنجيل للحركات الإسلامية بمختلف تلاوينها، وهي التي كانت تعتمدها مجموعة بنكيران لما تخلت عن فكرة الخلافة والدولة الإسلامية، باعتبار أن مؤلفات القرضاوي تدعو إلى التدرج إلى حين التمكين.
وتحول إلى نجم تليفيزيوني بعد أن تولى الإفتاء في إحدى الفضائيات المشهورة، التي ملأت آفاق العالم العربي والإسلامي، وأصبحت إطلالته يوم الجمعة ركنا ركينا من المشاهدة على الشاشة، وكانت فتاواه عبارة عن ترديد لفتاوى ابن تيمية شيخ الجماعات التكفيرية.
عندما طفت على السطح موجة الربيع العربي وتولت الدولة الراعية كبرها، ركب القرضاوي هذه الموجة عاريا من ثياب الأخلاق داعية إلى الفوضى والفتنة، وأفتى بقتل كثير من الناس مسؤولين وغير مسؤولين، وفي رقبته الكثير من الدماء، وهي فتاوى لم يبنيها على ما هو سياسي ولكن على أساس ديني مما جعله مفتيا للتيارات التكفيرية والتنظيمات المقاتلة والمسلحة، التي فتكت بكثير من الفئات ومارست التوحش وأدارته بشكل كبير، وكانت فتاويه هي الوقود الذي أججها.
خلال هذه الفترة وبعد أن تم استهلاكه حاولت الدولة الراعية استبداله بشيخ آخر اسمه زين العابدين سرور، الذي قيل إنه كان يعيش في لندن ولكن المعلومات الدقيقة تفيد أنه كان يعيش قرب القرضاوي في نفس المكان، غير أن الموت سبقهم إليه.
فلم يبق سوى أحمد الريسوني، الذي أظهر رغبة قوية في تولي هذا المنصب الذي هو عبارة عن جمرة فقط. ولم يكن الريسوني يفتح فمه يوم كان ضيفا على دول أخرى، لكنه اليوم هو من يتولى خلافة القرضاوي رسميا بوصيته على المواصلة، طبعا لا طريق رسمها القرضاوي غير طريق الدم وفتاوى الضلال.