مندوب لوزارة السياحة بإحدى المناطق يصرح للإعلام الرسمي “غلاء الأسعار في المرافق السياحية أصبح موضة”. في الواقع لم نجد تعبيرا مثل هذا لوصف حالة “اللهفة” التي أصبح عليها الفاعل السياحي في أغلب مناطق المغرب، معتقدا أن السائح المغربي يقبض راتبه باليورو بينما هو بـ”الدرهم” فقط الذي يعادل “20 ريال” بحساب المغاربة قبل الألفين، وبالتالي فتوصيف “الموضة” يليق بهؤلاء لأن الخدمات المقدمة نازلة كثيرا عن الأثمنة المرتفعة وبيعت “كوميرة” بستة دراهم حتى والقانون يمنع الزيادة فيها باعتبارها من الدقيق المدعم.
في القرآن الكريم آية تشير إلى قوم “يخربون بيوتهم بأيديهم”، ففي السياحة هناك من يخرب بيته بيده أيضا، فمن اكتوى بنار الأسعار المرتفعة لن يعود مرة أخرى، خصوصا أمام هذا الطغيان الذي أبداه عدد كبير من الفاعلين السياحيين، من أرباب المقاهي والمطاعم والفنادق ودور الضيافة، حتى قال العديد من رواد التواصل الاجتماعي إنه “داخل كل واحد منا” حكومة متغولة غير أننا لا نتوفر على سلطتها، التي بواسطتها استطاعت أن تمارس القهر على المواطنين.
من الناحية العلمية والاقتصادية، الذهاب إلى رفع الأسعار وقت الذروة يقتل السياحة ولا يرفع من مدخول الفاعلين فيها. كيف ذلك؟ هذه السنة استغل هؤلاء لهفة المغاربة للخروج والسياحة بعد صيفين دون عطلة موسومة بكورونا، قصد الرفع من مداخيلهم، لكن هذه العملية لن تتكرر لأن أغلب المغاربة الذين قضوا العطلة ببعض المدن هذه السنة أقسموا ألا يعودوا إليها مرة أخرى لأنه لم يعد بمقدورهم شرب قهوة “حارة” بدون طعم أو شراء قنينة ماء بثمن خيالي، دون الحديث عن السندويتش، الذي ارتفع ثمنه حتى أصبح أغلى من الوجبة الدسمة.
من يظن أنه برفع الأسعار بهذه الطريقة سيربح كثيرا مخطئ للغاية، والمغاربة يقولون “قليل ومداوم ولا كثير ومقطوع”، أي إن من يريد الربح السريع سيفقد دوام الربح، حيث إن المغاربة لم يعودوا قادرين على مسايرة “موضة” الأسعار المرتفعة، في كل الأشياء بطريقة لا تطاق بتاتا.
نعرف أن المغرب قام منذ زمان بتحرير الأسعار. لكن تدخل الدولة واجب. لماذا؟ وهل في تدخلها تناقض مع مبدإ تحرير الأسعار؟
ليس في تدخل الدولة، أي المصالح المختصة بالعمالات، أي تناقض مع “تحرير الأسعار”، لأن حماية الاقتصاد الوطني مسؤولية الدولة الأساسية، وفي تدخلها حماية للدورة الاقتصادية في المدن السياحية، التي تموت عندما تموت السياحة، وحياة السياحة من مهام الدولة، ولهذا يلزم أن تتدخل بقوة لمحاربة “اللهطة” قبل وفاة القطاع السياحي، لأن الانتعاشة الحالية تم تدميرها بـ”موضة” الأسعار الخيالية أحيانا.
لما أصبح مسؤول بوزارة السياحة يشكو هذه الظاهرة، بل نحن استعرنا منه المفهوم والتوصيف الدقيق، فأعلم أن السياق العام الذي يعيشه القطاع السياحي سينطبق عليه و”يخربون بيوتهم بأيديهم”.