إدريس عدار
لا تتوقع العثور على الحقيقة لدى السياسي، فحين يمارس السياسة بالحد الأدنى من المبادئ ونوع من الاستقامة السياسية، فهو يبحث عن المصلحة، التي هي بدورها تنقسم إلى مصلحة عامة وأخرى خاصة، ومصلحة معقولة ومصلحة غير معقولة، فما بالك بمن يمارس السياسة بالاحتيال والتدليس.
جمل كان لابد من قولها قبل الولوج إلى العرض السياسي الذي قدمه، حزب العدالة والتنمية. الحديث عن “العرض” يحيل على السوق..وفي السوق أربعة أصناف من البشر: بائع ومشتري ومتفرج ولص..وفي سوق السياسة بائع ومشتري ومتفرج ومتلصص..المادة الانتخابية قابلة للبيع، والرأسمال رمزي يتم تحويله إلى كمية مادية قابلة للتداول..المشتري ناخب ينقسم بدوره إلى ثلاثة أقسام: ملتزم حزبيا أو مرتبط بإحدى الجمعيات، المرتبطة بدورها حزبيا، حيث يكون الناخب هنا زبونا، ومواطن يعتبر العملية الانتخابية واجبا، ومواطن انطلت عليه حيلة البائع فاشترى البضاعة دون تمحيص.
المتفرج هم هذه الكتلة “الصامتة”، أغلبها غير مبال بما هي الانتخابات، والبعض مقتنع بالمقاطعة، وبالجملة هذه الكتلة يتصرف في صمتها البائع لأن ما يهمه هو ما يهم صاحب السلعة بالسوق أي أن يمتلئ المكان..المتلصص كائن انتخابي مع “الجهة الرابحة”.
في حالتنا من يعرض البضاعة وما هو نوعها..الحزب الذي يقود الحكومة..حزب لديه وزارات ومديريات ويدير جماعات..يعني له تمكين من نوع محدد. بغض النظر عن نظرته هو أو غيره ل”السيستام” فإن الحكومة محكومة بثلاث سلط: الاقتراح والتعيين والتنصيب. قبل الدخول إلى “اللعبة” السياسية تعرف جيدا شروطها..لكن بنكيران أسس لثقافة خطيرة حين قال “لن أنازع على صلاحيات رئيس الحكومة”..هي ثقافة عدم المسؤولية..
البضاعة التي يعرضها الحزب من نوع خاص، سماها “العرض السياسي”..هو عرض برسم “طول” الانتخابات..بضاعة خطيرة قوامها التدليس والتلبيس..لا يعني أن باقي العرض الموجود في السوق يتضمن بضاعة جيدة بالمطلق..لكن عندما يلجأ البائع إلى تغيير “اللوك” حتى لا يتم ضبطه من قبل الناس ندخل هنا في عملية “صباغة الحمير”..فقط نريد البائع أن يُظهر وجهه حتى يتم التعرف عليه وعلى بضاعته..من حق الناس في السوق أن تختار، لكن خديعة العارض قد تعرض “الذوق” العام للفساد..القاعدة أن البيع والشراء بالتراضي، والقاعدة الاجتماعية، التي جعلت الغفلة بين البيع والمشتري، مضرة بالسلوك الاستهلاكي كما هي مضرة في حالتنا بالسلوك السياسي.
من يعرض البضاعة اليوم كأنه ليس من كان في السوق بالأمس..بائع قديم لكن بلباس جديد ومختلف..البائع الذي كان يهيمن على السوق هو من يشكو ظلم الباعة الآخرين..يتحدث عن انتكاسة قانون السوق وهو جزء مهم من عملية التسوق..
بضاعة ممسوخة..إدماج أبناء حركة التوحيد والإصلاح في حزب الدكتور الخطيب بإشراف من أدريس البصري هي مجرد مؤتمر استثنائي لحزب العدالة والتنمية، رغم أن هذا الإسم لم يظهر إلا سنتين بعد الإدماج العقابي..انتظار “لعبة الصفقات الإخوانية” خلال ما يسمى الربيع العربي هي معجزة سياسية..القهر الذي مورس في أنظمة التقاعد هو إصلاح كبير..