في استشارة قدمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بينت أن حوالي 89 في المائة من المغاربة يعتقدون أن المستقبل في العمل عن بعد، وأكثر من 80 في المائة يعتبرونه أكثر مردودية ويحافظ على المال والوقت. تبقى في النهاية هي استشارة، لكن مادام تم طرحها فهي موضوع للنقاش، حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
جربنا في هذه البلاد العمل عن بعد خلال جائحة كورونا بشكل جزئي وخلال فترة الإغلاق العام بشكل شبه كلي، باستثناء الوظائف التي تحتاج إلى الحضور، ومن هنا نرى لزاما التوقف عند هذا الموضوع، حتى نعرف مدى ملاءمة هذا النمط من العمل لمجتمعنا.
من حيث النظر فإن العمل عن بعد قد يكون منتجا أكثر من العمل عن قرب في كثير من القطاعات، لكن في العمل وفي تنزيل ذلك على أرض الواقع هناك صعوبات جمة، وقبل الحديث عما هو تقني ولوجيستيكي في العملية ينبغي أن نتحدث عن العمل عن قرب في غياب أخلاقيات العمل، فالعامل والموظف، الذي لا يشتغل ولا يؤدي وظيفته عندما يغيب رئيسه لا يمكن أن يؤتمن في العمل عن بعد.
وما دام العمل في أصله مرتبطًا بالوقت لا بالمردودية لا يمكن الحديث عن العمل عن بعد، ففي الوظيفة العمومية كثير من الموظفين يقضون أوقاتهم بين المقهى والتجول في ممرات الإدارات، أما في الشركات فكثير من العاملين لا يؤدون واجبهم في غياب “الشاف”، وهذا لا يعني أن الإدارة والشركة نفسها تغيب عنهم عنوان “المواطنة”، التي هي العامل والمحفز على العمل، أي عندما يشعر المشتغل أنه جزء من الشغل وأنه له نصيب من العائد والمردودية.
وإذا ابتعدنا عن الموارد البشرية نقف الآن على التنفيذ التقني، حيث أظهرت كثير من التجارب أنه في الوقت الراهن مستحيل، ونبدأ بهذا النموذج، الذي كان واضحا، فكثير من المدراء والكتاب العامين ومسؤولي الشركات العمومية، خلال فترة الحجر الصحي، كان يتكلف موظفون بنقل الأوراق إليهم وإلى غاية حيث يقطنون كي يوقعوها. بالنتيجة لم نتجاوز العمل عن قرب سوى أننا نقلنا الإدارة إلى بيت المسؤول.
طبعا لا يمكن للمسؤول إلا أن ينتظر وصول الوثائق قصد توقيعها في غياب آلية التوقيع الإلكتروني وغياب القانون المنظم لها، وهي ممكنة خصوصا وأن المغرب متقدم اليوم في الأمن السيبراني وراكم تجارب كثيرة فيه في مجالات متعددة، وأبان الجهاز الأمني في المغرب عن علو كعبه في ميدان محاربة الجريمة ذات الطابع الإلكتروني، مما يجعل إمكانية تطبيق التوقيع الإلكتروني وحمايته قضية ممكنة جدا إذا توفرت الرغبة في ذلك.
الخروج من الإدارة التقليدية كان موضوع تحويل وزارة الوظيفة العمومية إلى قطاع الإصلاح الإداري لكن يبدو أن الانتقال الرقمي في المغرب ما زال بعيد المنال.