الدكتور أحمد درداري*
لقد فرضت التغيرات المناخية السلبية التي تقف من ورائها أنشطة الدول الكبرى تحديات عالمية وأصبحت كل الدول معنية أكثر مما مضى بضرورة تغيير سياساتها وإمكانياتها المألوفة، واستنهاض قدراتها لمواجهة الكوارث الطبيعية والأزمات الناتجة عنها، التي تجاوزت قدراتها على التحمل بالإمكانيات المعتادة. بل يجب العدول عن التوجهات الدولية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتغيير دفاتر التحولات المرتبطة بالبرامج التنموية، ووضع في صلب اهتمام المسؤولين حياة الإنسان وحجم أضرار الكوارث الطبيعية وآثارها وتداعياتها على الإنسان عند بلورة السياسات العمومية الوطنية والترابية، انطلاقا من القدرة على التوقع ووضع العديد من الاحتياطات وتخصيص الإمكانيات الضرورية والخطط والاستراتيجيات وتكوين العنصر البشري لتقديم المساعدات المرتبطة بحالة وقوع الكوارث الطبيعية المدمرة كالزلزال والفيضانات.. إلخ.
ذلك أن موضوع الحماية المدنية والدفاع المدني، أصبح يفرض نفسه بحدة على الدول، ذلك أن الموضوع يحظى في المغرب بعناية وتوجيهات جلالة الملك حسب خطبه ورسائله السامية. ويجب التفكير في إحداث صندوق إفريقي لمواجهة الكوارث الطبيعية، وصندوق آخر عربي لنفس الغرض.
وبناءً على التجارب والممارسات الواقعية في مجال تدبير المخاطر التي راكمها المغرب عبر المحطات التاريخية، يجب تقنين قنوات وآليات للتشاور والتنسيق على المستوى الوطني، وتوسيع المقاربة لتشمل القارة الإفريقية والعالم العربي، بحثا عن التكامل والالتقائية والانسجام في منهجية العمل بالتدابير الوقائية والاستعجالية وتوفير الإمكانيات التضامنية الكافية لمواجهة الكوارث الطبيعية وتبعاتها الاجتماعية والاقتصادية الآنية والمستقبلية.
وتأتي المبادرة الملكية القاضية بإحداث صندوق وطني ورقم الحساب 126 لمواجهة الأضرار الناتجة عن زلزال الحوز، كخطوة جد مهمة لتسهيل جمع التبرعات سواء من طرف الدول أو القطاع الخاص أو المواطنين في الداخل أو الخارج الذين أبانوا عن قدرتهم الهائلة على التضحية والتضامن متجاوزين المستوى المتوقع، وضاربين المثل المغربي على المستوى الدولي في التضامن عند الشدائد ومتجاوزين كل الحدود لرفع الضرر والتمسك بالمبادئ الإنسانية والوطنية الصادقة التي انصهرت معها المكونات الوطنية لتعلي المغرب والمغاربة فوق كل اختلاف.
ومن جهة أخرى يجب اقتسام الأدوار والمجهودات بين كل المتدخلين وفق بروتوكول تعاوني، ووضع دليل يحدد التدخلات في حالة الكوارث الطبيعية، بشكل مفصل، مع إحداث آلية للتنسيق لمواجهتها وطنيا ودوليا.
إن الوقوف على أهم المستجدات المرتبطة بمنظومة الحماية المدنية والدفاع المدني من خلال تقييم وضعيتها واستخلاص الدروس قصد تطويرها تفرض المضي قدما نحو بناء جيش مدني للتدخل السريع في حالة الكوارث ومساعدة الدول عند ضرورة التدخل.
وتجدر الإشارة إلى أن إنشاء منصة إلكترونية متكاملة لمؤسسات الحماية المدنية سيساعد على ضبط المعطيات ونقل البيانات وتسهيل الإجراءات المرتبطة بتسهيل مواجهة آثار الكوارث.
إن زلزال الحوز المدمر أعطى رسائل قوية ومضمونا موقضا للأوجاع التي لا تقدر الدول على تهدئتها ما لم تتوفر على منظومة علاج متطورة وترقى لمستوى التخفيف من آثارها.
ويبقى التضامن المحور الحقيقي لمواجهة كل الكوارث والأزمات التي تضع الشعوب والدول على المحك، ويعتبر الشعب المغربي من الشعوب الأكثر تضامنا والأكثر تضحية والأكثر انتماءً لروح هويتهم رغم التفاوتات في المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وما حلت أزمة إلا وتجند المغاربة بالتضحية والتضامن.
*رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات