التعليمات الملكية الرامية إلى مواكبة أفراد الجالية أثناء عودتهم إلى أرض الوطن، عنوان كبير للمبادرات الملكية، وهي آلية فعلية للمصاحبة المادية والمعنوية، فليست مجرد شعارات قصد استهلاكها، ولكنها قول وفعل كما يقال، ويقول المغاربة القدماء “قول وفعل هو الإسلام الرفيع”، لمن أراد أن يفهم هذه العبارة التي تلخص كثيرا طبيعة العلاقة بين المواطنين المغاربة أينما وجدوا والملك، لأنها علاقة تتجاوز حدود المواطنة القانونية، فالمواطنة تتطلب إعمال الحق بينما هذه العلاقة مبنية على تجاوز الحق إلى فعل الرعاية الكبرى.
المغربي من أكثر مواطني العالم تشبثا بأرضه، ولهذا فالعودة إلى الوطن ليست نزهة صيفية ولكنها طقس وجودي، من خلاله يعبر المغربي عن أنه ما زال على قيد الحياة، ومن هنا تشكل العودة حياة لكل مغربي، مهما كانت رؤيته وتوجهه، وبناء عليه فإن الإجراءات التي تم اتخاذها، وعمليا من خلال أسعار غير معهودة من قبل الخطوط الملكية المغربية، تبقى مبادرة غير مسبوقة تاريخيا.
نقول مبادرة غير مسبوقة تاريخيا في الميدان، وإلا المبادرات تثرى في كل المجالات، وظهرت بجلاء طوال فترة الجائحة، حيث تجلت بوضوح في الدعم الذي تلقاه المغاربة الذين فقدوا شغلهم جراء تطبيق قانون الطوارئ الصحية وأساسا أثناء الإغلاق الشامل في البداية.
وتمتد المبادرات إلى معالجة كافة الإشكالات بما فيها مبادرة التوقع المستقبلي من خلال النموذج التنموي، الذي يستشرف مغربا آخر، وهو مغرب ممكن.
وعلى ذكر المغرب الممكن، فإن كل شيء ممكن وفق ما هو متوفر من موارد، لكن وفق الإرادات، والمبادرة الملكية تعني أن مبادرات أخرى ممكنة لو وجدت الأفكار والإرادات، لكن الحكومة غير مستعدة للتفكير في مستقبل الناس ولكن مكوناتها مستعدة فقط لاستقطاب الناخبين، وكأن البلاد ستتوقف حتى تمر الانتخابات، ولا نعرف ما هو سبب التسابق نحو الفوز في غياب الرؤى الواضحة.
لكن المبادرات الملكية شاملة وعامة، باعتبار أن جلالة الملك ليس له حزب سوى حزب الوطن وأمنه واستقراره وضمان حياة كريمة للمواطنين، لهذا تنجح دائما المبادرات الملكية، لكن هذا السير السلحفاتي للأداة التنفيذية قد يعرقل حتى المبادرات التي تصدر عن أعلى سلطة في البلاد.
اليوم نحن أمام مبادرة كبرى، تتجاوز الإشكالات التي طرحتها الانزياحات الإسبانية، التي نتج عنها عدم اعتماد الموانئ الإسبانية في عودة أفراد الجالية، مما شكل عائقا نتيجة ارتفاع أسعار التنقل، لكن المبادرة الحالية ستجعل الكل قادرا على العودة إلا من أبى، بل إنها مبادرة تجعل الجميع سواسية حيث اعتمدت أسعارا متكافئة من كل البلدان الأوروبية، مما يمهد لعودة شاملة للمغاربة قصد التواصل مع الأهل والوطن.
سيكون لهذه المبادرة انعكاسات نفسية واجتماعية واقتصادية على الجالية وعلى المواطنين داخل الوطن، نتيجة ما تتيحه هذه العملية من تبادل للزيارات وربط أواصر القرابة ناهيك عن الحركية الاقتصادية التي تفتحها.