أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقرير حديث، أن الأشكال اللانمطية للتشغيل، وعلى رأسها العمل عن بُعد والعمل عبر المنصات الرقمية والعمل لبعض الوقت، تشكل تحولات بنيوية في سوق الشغل المغربي، لكنها تطرح في الآن ذاته إشكالات قانونية واجتماعية تتطلب معالجة عاجلة.
وأوضح المجلس أن هذه الأنماط، رغم ما تحمله من مرونة ومزايا لفئات عريضة من المجتمع، من بينها النساء، والأشخاص في وضعية إعاقة، والطلبة، إلا أنها تعاني من هشاشة أجرية وغياب الحماية الاجتماعية، إلى جانب التأثير السلبي المحتمل على التوازن بين الحياة المهنية والشخصية. ودعا إلى ملاءمة المنظومة التشريعية الوطنية مع هذه التحولات العميقة، من أجل تأمين حقوق العاملين وحمايتهم من الاستغلال.
مقاربة متوازنة بين المرونة والحماية
وفي عرضه لمضامين التقرير يوم الأربعاء، شدد رئيس المجلس، عبد القادر اعمارة، على ضرورة تبني مقاربة متوازنة تضمن الحقوق الأساسية للعاملين ضمن هذه الأشكال الجديدة من التشغيل، دون إغفال الخصوصيات التي تميزها عن التشغيل الكلاسيكي.
ودعا المجلس، في هذا السياق، إلى الاعتراف القانوني الرسمي بهذه الأشكال، من خلال إدراجها صراحة في مدونة الشغل، مع تحيين المادة 8 منها لتشمل صيغ العمل عن بعد. كما أوصى باعتماد تعريف قانوني واضح لطبيعة العلاقة التي تربط العاملين مع مقاولات المنصات الرقمية، سواء تعلق الأمر بعقود شغل أو شراكات مستقلة أو مقاولات من الباطن.
معايير جديدة للعمل اللائق
من بين أبرز توصيات المجلس، ضرورة مراجعة شروط الولوج إلى منظومة الحماية الاجتماعية وتكييفها مع هذه الأنماط المستجدة، مع إدماج شروط الصحة والسلامة المهنية ذات الصلة، والاعتراف بالأمراض والحوادث التي قد تنجم عن العمل الرقمي أو عن بُعد.
كما شدد على أهمية تمكين العاملين من التكوين المستمر، وتيسير انخراطهم في آليات الحوار الاجتماعي والتنظيم النقابي، بما يضمن تمثيلهم وصون حقوقهم داخل المنظومة الشغلية الوطنية.
استشارة مواطِنة تكشف اتجاهات جديدة
أعد المجلس تقريره بناءً على مقاربة تشاركية شملت استشارة مواطِنة عبر المنصة الرقمية “أُشارك”، شارك فيها قرابة 4800 شخص. وكشفت النتائج أن 61% من المستجوبين سبق لهم تجربة العمل عن بُعد، و56% اشتغلوا لبعض الوقت أو عبر الإنترنت، في حين أعرب 72% عن استعدادهم للانخراط في العمل عن بُعد، مقابل إقبال أقل على التشغيل عبر المنصات، خاصة في مجالات التوصيل والنقل.
وخلص التقرير إلى أن محدودية فرص الشغل التقليدية شكلت دافعًا لاختيار هذه الأشكال لدى 16% من المشاركين، فيما رأى 32% أن مرونة الوقت هي السبب الرئيسي، متبوعة بإمكانية متابعة الدراسة والتكوين (29%)، والتوفيق بين الحياة المهنية والعائلية (25%).
دعوة لتعزيز الرصد وتوجيه السياسات
في الختام، دعا المجلس إلى إحداث آليات دائمة لرصد تحولات سوق الشغل وتعزيز دور المرصد الوطني لسوق الشغل، من أجل إنتاج دراسات استباقية حول وظائف المستقبل والمهارات المطلوبة، ما من شأنه أن يُسهم في توجيه السياسات العمومية المرتبطة بالتشغيل بشكل أدق وفعال.