عبر المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عن قلقه البالغ إزاء الالتهاب المتصاعد لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية في السوق الوطنية، منبها إلى أنَّ هذا الغلاء الفاحش والمتواصل، بتداعياته الوخيمة، بل والخطيرة، على القدرة الشرائية للمغاربة، يُوَلِّدُ ردود فعلٍ واحتجاجاتٍ متصاعدة.
وأشار الحزب في تصريح له حول الغلاء إلى أجواء الاستياء والسخط والغضب والاحـــتقان لدى شرائح واســعة من المغاربة، ولا سيما في أوساط الفئات المستضعفة والمتوسطة، مؤكدا أن هذا الواقع المقلق يتطلبُ من الحكومةِ تحركاً قويا وناجعاً وسريعاً، تفاديًّا لتدهور الأوضاع وحفاظاً على السلم الاجتماعي.
واعتبر الحزب أنه مِن غَـــــيـــــر المقبول، بل وغيــــــرِ المسؤول، إصرارُ الحكومة على اعتمادِ خطابٍ يكتفي بالتشخيص والتبرير بخصوص الغلاء، دون اتخاذِ قراراتٍ تَـــدَخُّـــلِـــيةٍ ملموسة ذاتِ وقعٍ اقتصادي واجتماعي، فِعلي وإيجابي، من شأنها التخفيفُ من وطأةِ الغلاء على المغاربة.
وأبرز “التقدم والاشتراكية” أن مُـــجمل مؤشراتِ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية، يغلب عليها الطابعُ السلبي، بما يهددُ المكتسباتِ التي حققتـــها البلاد خلال السنوات الماضية، وذلك بتأكيدٍ من هيئاتٍ ومؤسساتٍ وطنية رسمية.
ولفت انتباه الحكومة إلى ضرورة التخلي عن مقاربتها التكنوقراطية والدوغمائية الضيقة، العاجزة عن معالجة هذه الأوضاع الصعبة، في غيابٍ لأيِّ رؤيةٍ سياسية شاملة تتأسسُ على ما يلزم من مبادرةٍ واستباقٍ وجرأة وإبداع وتخطيط، وأكد على كافة المقترحات والبدائل، التي أدلى بها الحزبُ على مدى أزيد من سنة.
ومن جملة المقترحات التي وجهها الحزب للحكومة في سياق الغلاء الصاروخي للأسعار وتدهور القدرة الشرائية؛ إعطاء الأولوية للأمن الغذائي الوطني، مع ما يستلزمُهُ ذلك من تقييمٍ موضوعي وجريء لنتائج مخطط المغرب الأخضر، ومراجعةٍ عميقة للسياسات الفلاحية التي لم تنجح، إلى حد الآن، في تأمين المخزون الاستراتيجي وتحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني من المواد الغذائية.
ودعا إلى التدخل الفعال والمعقلن، عبر الآليات الجبائية والجمركية، وعبر دعم تكاليف ومُـــدخلات الإنتاج، من أجل خفض الأسعار وضمان التموين العادي والسلس للسوق الوطنية بالمواد الاستهلاكية الأساسية، وتحسين توظيفَ الموارد المالية الإضافية والاستثنائية في تقديم الدعم المباشر للأسر الفقيرة، وللقطاعات المتضررة، وفي تحسين دخل عموم الأجراء.
كما أكد التقدم والاشتراكية على ضرورة أن تُفَعِّلَ الحكومةُ كافة الآليات، من أجل مراقبة السوق الوطنية، والتحكم في سلسلة التسويق، بدءًا بضمان الإنتاج، ووصولاً إلى مراقبة بيع المنتجات بالتقسيط، مروراً بزجر ممارسات السماسرة والوسطاء، كسبيل أنجع للمحاصرة الصارمة والردع الحازم لكل الممارسات التجارية غير المشروعة، بل الإجرامية، بما فيها المضارباتُ والاحتكاراتُ والإدخار السري للسلع والتلاعب بالأسعار والجودة.
ونبه الحزب إلى أنَّ دعم أرباب النقل لم يَظهر له أثــــــــرٌ فعليٌّ على أسعار المواد الاستهلاكية، ولا على المستوى المعيشي، ودعا الحكومة إلى الإسراع في إجراء تقييمٍ لهذا التدبير المعزول بهدف مراجعته، كما طالبها بإعادة تشغيل مصفاة لاسامير لخفض أسعار المحروقات عند البيع، وتوفير الأمن الطاقي الوطني، وما لذلك من أثر إيجابي على أسعار باقي المواد الاستهلاكية.
وخلص التصريح إلى مطالبة الحكومة باتخاذ قراراتٍ عاجلة وشاملة وناجعة، لأجل حماية ودعمِ القدرة الشرائية للمغاربة، وتوفير التموين الكافي من المواد الاستهلاكية والغذائية في السوق الوطنية، بأسعارٍ معقولة، والتخلي عن لامبالاتها بالأوضاع الاجتماعية المتدهورة وبردود الفعل المرشَّحَـــةِ للتفاقم.
من جهة أخرى أفاد خافيير دياز كاسو، الخبير الاقتصادي الأول بالبنك الدولي بالمغرب، بأنه من المتوقع أن تتسارع وتيرة نمو الاقتصاد المغربي خلال سنة 2023، لتصل إلى 3,1 في المئة.
وأوضح دياز كاسو، الذي قدم تقرير البنك الدولي حول تتبع الوضعية الاقتصادية في المغرب خلال فصل شتاء 2022-2023 تحت عنوان “المغرب في مواجهة صدمات العرض”، في إطار مائدة مستديرة عقدت بحضور جيسكو هينتشل، المدير الإقليمي لمنطقة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي، أن هذا النمو سيكون مدفوعا بانتعاش القطاع الأولي، وتابع أن هذا التقرير يذكر بأن الاقتصاد المغربي، بعد الانتعاش القوي الذي شهده خلال فترة ما بعد كوفيد-19 والذي تميزت به السنة الماضية، قد عانى من الضغط المتزايد لصدمات العرض التي اتسمت بـ “جفاف شديد مصحوب بارتفاع أسعار المواد الأولية التي أدت إلى تفاقم التضخم”.
كما أشار دياز كاسو إلى استمرار مخاطر التدهور بسبب التوترات الجيوسياسية، خاصة ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا وتراجع معدل الشركاء التجاريين الرئيسيين في منطقة الأورو، إلى جانب الصدمات المناخية الجديدة المحتملة.
ووفقا لتقرير البنك الدولي، انخفض النمو الفعلي للناتج الداخلي الخام لينتقل من 7,9 في المئة خلال سنة 2021 إلى 1,2 في المئة خلال سنة 2022 (نسبة تقديرية)، في حين ارتفع عجز الحساب الجاري من 2,3 في المئة إلى 4,1 في المئة من الناتج الداخلي الخام. وكما هو الحال في معظم أرجاء العالم، أدت الحرب في أوكرانيا، جنبا إلى جنب مع إعادة تنظيم سلاسل التوريد العالمية، إلى ارتفاع حاد في معدل التضخم، حيث بلغ التضخم السنوي المغربي ذروته ليصل إلى 8,3 في المئة عند متم سنة 2022.
وأورد البنك الدولي أن “المغرب اعتمد سلسلة من التدابير من أجل التخفيف من أثر ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة على الأسر، بما في ذلك منح إعانات عامة تهم بعض المواد الأولية الضرورية والإبقاء على الأسعار النظامية المعتمدة. وقد أدى هذا النهج إلى استقرار أسعار السلع والخدمات التي تمثل ما يناهز ربع متوسط نفقات الأسر، وبالتالي تجنب ارتفاع معدل الفقر، الأمر الذي استدعى حشد نفقات عمومية إضافية تعادل قرابة 2 في المئة من الناتج الداخلي الخام”.
وشدد التقرير على أنه على الرغم من اعتماد هذه التدابير، فإن الأسر اﻟﻤﺘواﻀﻌﺔ واﻟﻬﺸﺔ هي التي لا تزال تعاني أكثر من غيرها من أثر التضخم على أسعار المواد الغذائية وغيرها، مقدما بيانات حسابية تفيد بأن التضخم السنوي كان أعلى بنسبة 30 في المئة تقريبا بالنسبة لـ 10 في المئة من الساكنة الفقيرة، مقارنة بالـ 10 في المئة من الطبقات الغنية، ويعزى ذلك أساسا إلى تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تمثل الحصة الأكبر من نفقات الأسر الأكثر فقرا.
وأكد التقرير أيضا على أن الإصلاح الرئيسي الذي يهم منظومة الحماية الاجتماعية، والذي تتوخاه المملكة، سيسمح بتوجيه المساعدات العمومية لفائدة الأسر ذات الدخل المنخفض والهش.
وفي حديثه بهذه المناسبة، أكد هينتشل أن “التدابير الأخيرة الرامية إلى مواجهة صدمات العرض والحفاظ على القدرة الشرائية للأسر المغربية قد خففت إلى حد كبير من أثر التداعيات وحالت دون وقوع المزيد من الناس في براثن الفقر”.
وأضاف أن “الاعتماد المرتقب لنظام المنح الأسرية سيمكن المغرب من استهداف الساكنة الهشة على نحو أكثر إنصافا وفعالية بغية مواجهة ارتفاع الأسعار بهذا الشكل”.
وأشار التقرير إلى أنه لمواجهة الوضع الاقتصادي الحالي، اختار بنك المغرب توخي الحذر من خلال رفع أسعار الفائدة مرتين منذ شتنبر 2022، بما مجموعه 100 نقطة أساس. كما أكد التقرير على أنه من الآن فصاعدا، تعتبر استجابة السياسة النقدية المثلى للمغرب رهينة باستمرار ضغط الأسعار وتطور توقعات التضخم.
وفي سياق معقد كهذا، قد تنظر السلطات في استكمال تدابير مكافحة التضخم من خلال إدخال سياسات هيكلية تهدف إلى تخفيف القيود المفروضة على العرض. ويمكن أن تشمل هذه التدابير مبادرات أو إجراءات لمعالجة الاختناقات القائمة في أسواق المواد الغذائية، حيث لا يتم دائما تبرير الفجوة الكبيرة الكامنة بين أسعار الإنتاج وأسعار التجزئة من خلال القيمة المضافة المحدثة في سلسلة التوريد.
و أكد حزب التقدم والاشتراكية أن المستفيد الأول من الغلاء هم “الشناقة” و”السماسرة” وأصحاب الريع الذي يسود بالخصوص في أسواق الجملة، وأبطالُهُ هم الوسطاء من دون وجه حق.
وأشار الحزب في سؤال وجهته نائبته البرلمانية نادية التهامي إلى وزير الفلاحة، أن المواطنات والمواطنين، يعيشون هذه الأيام، بجميع فئاتهم، ولا سيما منهم الفئات المستضعفة، على إيقاع ارتفاعٍ مهولٍ في أسعار مختلف المواد والمنتجات الاستهلاكية، والغذائية منها على وجه التحديد.
وشدد على أن هذا الوضع يطرح عل الحكومة، مسؤولية التدخل الناجع، لأجل تأمين العرض والمخزون من المنتجات والمواد الاستهلاكية الأساسية، وضمان التموين العادي والكافي والسلس للأسواق، لا سيما مع اقتراب حلول شهر رمضان.
وسجل أنه يستدعي أيضا المراقبة اليقظة لمدى توفر المنتوجات الغذائية في الأسواق الوطنية، وخصوصاً منها ذات الاستهلاك الواسع، والتي تعرف طلباً قويا من طرف الأسر المغربية، كالخضر والفواكه والحبوب والقطاني والدقيق والخبز والأسماك واللحوم والحليب ومشتقاته والبيض وزيت المائدة والتمور وغيرها.
ولفت إلى أن أسعار هذه المواد الاستهلاكية تحتاج إلى المراقبة الصارمة والمكثفة، بالنظر إلى الزيادات المهولة والغلاء الفاحش لأثمنتها، ليس فقط بسبب التقلبات الدولية أو كلفة الاستيراد وغلاء المواد الخام، ولكن أساساً بسبب الممارسات التجارية غير المسؤولة وغير المشروعة، كالمضاربات والاحتكار وإخفاء السلع والوساطة الريعية.
وأبرز الحزب أنَّ هذا الغلاء ليس المستفيد منه ولا المتسبب فيه هو الفلاح المغربي، بقدر ما يستفيد منه ويتسبب في تفاقمه “الشناقة” و”السماسرة” وأصحاب الريع الذي يسود بالخصوص في أسواق الجملة، والذي أبطالُهُ هم الوسطاء من دون وجه حق.
ودعا الحكومة إلى كشف التدابير التي ستتخذها من أجل ضمان التموين الكافي للسوق الوطنية، بأسعارٍ معقولة، والإجراءات التي ستقوم بها للضرب بقوة على يد الوسطاء والمضاربين.