في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، وتصاعد التحديات المرتبطة بأمن الطاقة عالمياً، عاد موضوع السيادة الطاقية والمخزون الاستراتيجي للمواد الطاقية إلى واجهة النقاش السياسي والبرلماني بالمغرب. ففي سؤال شفوي وجهه إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، دعا عبد الله بوانو، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، الحكومة إلى توضيح سياستها العامة في مجال الطاقة، مؤكداً على خطورة استمرار التبعية الطاقية للخارج، وعلى ضرورة تسريع وتيرة إرساء منظومة وطنية متكاملة للمخزون الاستراتيجي الطاقي.
واستند بوانو في سؤاله إلى مضامين الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الحادية عشرة، والذي دعا فيه جلالة الملك محمد السادس إلى “إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لا سيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد”.
وبحسب بوانو، فإنه “بعد مرور أربع سنوات على الخطاب الملكي، وعلى بعد سنة واحدة فقط من انتهاء الولاية الحكومية الحالية، لا تزال التساؤلات قائمة بشأن مدى نجاعة السياسة الحكومية في هذا المجال الحيوي”، مضيفاً أن “أمن الطاقة في البلاد لا يمكن تحقيقه دون توفر المملكة على مخزون استراتيجي طاقي يحصّن الاقتصاد الوطني في وجه التقلبات العالمية”.
أشار النائب البرلماني إلى أن الاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية في أفق 2030، التي أطلقها المغرب قبل سنوات، لا تزال تعاني من تحديات كبرى تعيق تنفيذها الفعلي. ويأتي في مقدمة هذه التحديات ضعف الموارد الطاقية الوطنية، حيث يفتقر المغرب إلى احتياطات معتبرة من النفط، الغاز أو الفحم، ما يجعله يعتمد بشكل شبه كلي على الواردات لتلبية حاجياته الطاقية.
ورغم التحول نحو استيراد التكنولوجيا المرتبطة بالطاقة، ومراهنة المملكة على مشاريع الطاقات المتجددة (الريحية، الشمسية، والهيدروجين الأخضر)، فإن الفاتورة الطاقية للمغرب لا تزال مرتفعة، بسبب الارتفاع العالمي لأسعار الطاقة وتزايد الطلب الداخلي عليها، خصوصاً في ظل الطفرة التي تشهدها المملكة في مجال البنية التحتية والمشاريع الصناعية الكبرى.
بالعودة إلى الأرقام الرسمية، فإن المغرب يعاني من ضعف هيكلي في قدراته التخزينية للمواد الطاقية. وتُظهر بيانات وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة أن القدرة التخزينية الحالية لا تغطي سوى ما بين 30 إلى 45 يوماً فقط من الاستهلاك الوطني، في حين توصي المعايير الدولية بتأمين مخزون لا يقل عن 90 يوماً من الاستهلاك.
كما أن أغلب خزانات الوقود والغاز المسال توجد تحت سيطرة شركات التوزيع الخاصة، وهو ما يطرح إشكالات تتعلق بالتحكم السيادي في المخزون، ويفتح الباب أمام مضاربات تجارية قد تهدد الأمن الطاقي في فترات الأزمات.
في هذا السياق، أعلنت الحكومة في وقت سابق عن مشروع لإحداث الوكالة الوطنية لتدبير المخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، إلا أن هذا المشروع لا يزال في طور الإعداد، دون جدول زمني واضح للتفعيل، وهو ما يُثير قلق المهنيين والمراقبين.
أكد بوانو أن التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، من الحرب في أوكرانيا إلى أزمة مضيق هرمز مرورا بالوضع في الساحل الإفريقي، كلها عوامل تزيد من هشاشة الدول غير المنتجة للطاقة، وتجعلها تحت رحمة تقلبات الأسواق الدولية. وأضاف أن “الرهان على الأمن الطاقي يجب أن يكون خياراً استراتيجياً غير قابل للتأجيل، لما له من أثر مباشر على الاقتصاد الوطني، على القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى استقرار البلاد في المدى المتوسط والبعيد”.
دعا بوانو في ختام سؤاله الحكومة إلى الكشف عن السياسة الطاقية التي تنهجها حالياً، وبرامجها لتقليص التبعية للخارج، وخططها لإرساء منظومة مخزون طاقي وطنية فعالة، خصوصاً مع اقتراب نهاية الولاية الحكومية، دون تسجيل تقدم ملموس في هذا الملف.
ومن جهتها، ينتظر الرأي العام الوطني والمستثمرون والفاعلون في القطاع الطاقي موقفاً حكومياً واضحاً وخارطة طريق عملية لتأمين استقلالية المغرب الطاقية، وإعادة النظر في هيكلة التخزين والتوزيع، سواء عبر تشجيع الاستثمار في البنيات التحتية أو تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ملف الطاقة في المغرب لم يعد مجرد إشكال تقني أو مالي، بل أصبح رهانا استراتيجيا حاسما يرتبط بالأمن الوطني. وبقدر ما يُراهن المغرب على المستقبل من خلال مشاريع الطاقات المتجددة، بقدر ما تظل الحاجة ملحة لإدارة ذكية للمخزون الاستراتيجي الطاقي، تحفظ البلاد من تقلبات الأسواق وتحميها في أوقات الأزمات.