كشفت الهيآت النقابية في التعليم، عن ما اسموه تطور جديد يعكس تدهور العلاقات المهنية داخل قطاع التربية الوطنية، عبّر التنسيق النقابي الخماسي عن استيائه العميق مما وصفه بتلكؤ الحكومة والوزارة الوصية في الوفاء بعدد من الالتزامات والتعهدات المتفق عليها ضمن الاتفاقات الاجتماعية الموقعة، وعلى رأسها اتفاقا 10 و26 دجنبر 2023، وكذلك ما تم التوافق بشأنه داخل اللجان التقنية المكلفة بتنزيل مواد النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية.
وأكد بلاغ مشترك صادر عن النقابات التعليمية الخمس أن التباطؤ الحاصل في تنفيذ هذه الالتزامات يعيد إلى الواجهة سؤالًا جوهريًا حول جدوى الحوار القطاعي، ومعه مصداقية الاجتماعات المتكررة للجان التقنية، التي كان من المفترض أن تكون إطارًا عمليًا وفعالًا لتسوية الملفات العالقة.
ورأى التنسيق النقابي أن “الانقلاب على الاتفاقات المبرمة” لا يشكل فقط إخلالًا واضحًا بالتعاقدات الاجتماعية، بل يمثل أيضًا ضربًا مباشرًا لمؤسسة الحوار الاجتماعي داخل قطاع التعليم، الذي تحكمه أعراف وضوابط صارمة تم تجاوزها بشكل غير مسبوق، ما من شأنه أن يزعزع الثقة بين الفرقاء الاجتماعيين، ويهدد الاستقرار المهني والسلم الاجتماعي داخل القطاع الحيوي.
اتهامات مباشرة للحكومة والوزارة
وحملت النقابات الخمس الحكومة ووزارة التربية الوطنية كامل المسؤولية عن ما وصفته بـ”تفخيخ الوضع الاجتماعي والتربوي”، منبهة إلى أن سياسة التماطل الحالية تسهم في تأجيج مشاعر الغضب والتذمر واليأس في صفوف نساء ورجال التعليم، كما تدفع نحو تأزيم الأوضاع وإعادة الاحتقان إلى الواجهة، وهو ما قد ينذر بموجة احتجاجية جديدة خلال الدخول المدرسي المقبل.
ودعت النقابات في هذا السياق إلى إعمال مقاربة عقلانية ومسؤولة، سواء على مستوى الزمن السياسي لتفعيل بنود الاتفاقات، أو على مستوى المضامين والمطالب ذات الطبيعة الفئوية والعامة، داعية الوزارة إلى الالتزام الصارم بما تم التوافق عليه في الاجتماعات الرسمية، والعمل على ضمان مخرجات فعالة وناجعة للقاءات القادمة.
مطالب آنية وإجراءات استعجالية
من بين المطالب العاجلة التي شددت النقابات على ضرورة تنفيذها الفوري، نجد الإقرار بالتعويض التكميلي لفائدة أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي، وتسوية وضعية الأطر التربوية المختصة، إلى جانب صرف التعويضات عن العمل في المناطق النائية والصعبة بأثر رجعي ابتداءً من شتنبر 2024.
كما طالبت النقابات بتخفيض ساعات العمل وفق ما تم اقتراحه في اللجان التقنية، وتسوية باقي الالتزامات العالقة سواء المتعلقة بالملف العام أو الملفات الفئوية التي تم تداولها في إطار اللقاءات التقنية الثنائية والمتعددة الأطراف.
رفض للتكوينات بعد نهاية السنة الدراسية
وسجّل التنسيق النقابي رفضه القاطع لبرمجة دورات تكوينية لفائدة الأطر التربوية بعد موعد توقيع محاضر الخروج، معتبراً هذه البرمجة ارتجالية وغير مبرمجة مسبقاً، وتعكس تذبذبًا في تدبير الوزارة لملف التكوين المستمر، وخاصة المرتبط بمدارس الريادة، الذي قال إنه يتحمل مسؤوليته الكاملة وزير التربية الوطنية.
ودعت النقابات نساء ورجال التعليم إلى مقاطعة هذه التكوينات التي وُصفت بأنها خارجة عن المنطق التربوي والمؤسساتي، وتشكل عبئًا إضافيًا على الأطر التربوية في غير زمانه ولا سياقه الملائم.
العودة إلى الاحتجاج واردة
وفي ختام البلاغ، أكدت النقابات التعليمية الخمس أن خيار العودة إلى الشارع بات مطروحًا بقوة، في ظل ما اعتبرته ممارسات غير مسؤولة تنم عن تراجع الحكومة والوزارة عن التزاماتها السابقة. وناشدت الأسرة التعليمية بجميع مكوناتها إلى مواصلة التعبئة والانخراط الواسع في الاستعداد لأشكال نضالية تصعيدية قد تبدأ مباشرة مع الدخول المدرسي المقبل، دفاعًا عن الحقوق وصونًا للمكتسبات التي راكمها القطاع بفضل نضالات ممتدة لعقود.
وتبدو الساحة التعليمية اليوم على صفيح ساخن، في انتظار ردود فعل الحكومة والوزارة المعنية، إما لتهدئة الأوضاع عبر خطوات عملية ملموسة، أو فتح المجال أمام مرحلة جديدة من الاحتجاجات، قد تُعيد مشهد الشارع التربوي إلى الواجهة من جديد.