ليس من السهل أن تحافظ على موقعك وسط تقلبات الجغرافيا السياسية، لكن المغرب يبدو وقد نجح في فعل ذلك، بل وتقدّم خطوة إضافية نحو الأمام.
فقد كشف مؤشر الدبلوماسية الدولية لسنة 2025 عن تموقع المغرب في المرتبة الأولى على مستوى شمال إفريقيا، والمرتبة 32 عالميًا من أصل 120 دولة، في تصنيف يؤشر – بصوت هادئ – على فاعلية الحضور المغربي في المشهد العالمي.
التقرير الذي أصدره معهد “تشاندلر” للحكامة، ومقره في سنغافورة، لا يستند إلى الشعارات أو الانطباعات، بل يعتمد على معايير دقيقة لقياس مدى تأثير الدول على الساحة الدولية، من خلال قوتها الناعمة، وفاعلية تموقعها الدبلوماسي، وسمعتها الخارجية، إلى جانب عناصر التجارة العالمية، وجواز السفر، والصورة الذهنية للدولة (العلامة التجارية).
وفي هذا السياق، احتل المغرب المرتبة الثانية إفريقيًا، خلف دولة واحدة فقط على مستوى القارة، مما يعكس دينامية دبلوماسية واضحة بدأت تؤتي ثمارها، سواء عبر الانفتاح على شركاء جدد، أو من خلال الحفاظ على توازن دقيق في القضايا الإقليمية والدولية.
الحضور المغربي… بين الواقعية والاحترام
ولعلّ ما يميز المقاربة المغربية في هذا السياق هو توازنها: لا اندفاع مبالغ فيه، ولا حياد سلبي. المغرب، كما يؤكده هذا المؤشر، يشتغل على قاعدة دبلوماسية هادئة وفعالة، تتأسس على بناء الصورة، وتوسيع الشراكات، والتموقع الذكي في المنتديات الدولية.
الرباط، التي تُدير سياستها الخارجية بقدر كبير من البراغماتية، تبدو وقد أدركت أن قوة التأثير لم تعد تُقاس فقط بعدد السفارات أو تحركات الوزراء، بل بمدى القدرة على جعل صوتك مسموعًا ومحترمًا في عالم متعدد الأقطاب.
وفي زمن تتصارع فيه القوى الكبرى على مواقع النفوذ، يشقّ المغرب طريقه بثبات، كبلد يعرف حدوده لكنه لا يقبل أن يكون على الهامش.