يقتضي المنطق ممارسة النقد وتنبيه الدولة والمؤسسات للأخطاء التي يمكن أن تظهر لنا، لكن يقتضي أيضا إبراز الوجه الإيجابي لبلدنا، ولا يمكن الخلط بين ما يقوم به المسؤول وما تقول به المؤسسات، فالمسؤول عندما يقوم بشيء جيد فهو يؤدي وظيفته، والمؤسسات لما تقوم بشيء جيد تقوم بوظيفتها لكنها ترسم صورة أخرى لبلدنا، بمعنى تصنع رأسمالا رمزيا يمكن استثماره من أجل رأسمال مادي وتحويل الثروة المعنوية إلى ثروة حقيقية يستفيد منها أبناء الشعب.
لم تعد تفصلنا عن الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية سوى بضعة أيام، وإجراؤها في يوم واحد، كما قال جلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، دليل على التقدم الذي عرفه المسار السياسي في المغرب، ووصل درجة من التحسن أصبحت لدينا القدرة على التصويت في يوم واحد على مرشحين لمسؤوليات وتمثيليات متعددة، وهو إدراك من الدولة على ضرورة الاقتصاد في مصاريف الانتخابات.
لكن هناك أمر مهم جدا لا ينبغي المرور عليه مرور الكرام، أو حتى اللئام عندما لا يكون لهم غرض بالملف إذ كثير من لئام “المعارضة المؤدى عنها” لم يعبؤوا به، ألا وهو اعتماد عدد كبير من المراقبين الأجانب للانتخابات المقبلة، حيث اعتمد المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره هيئة رقابية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عددا من المنظمات الوطنية والدولية لمراقبة الانتخابات، وليست المرة لكن هذه المرة بكثافة نادرة.
طلبت منظمات الحضور كمراقبين وقبلت أخرى، لكن في المحصلة أن هذه المنظمات التي ستمارس الرقابة في الانتخابات المغربية سبق أن قامت بذلك في دول عريقة في الديمقراطية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا وكندا ودول أخرى، وهذا دليل كافٍ على أن هذه المنظمات تتمتع بمصداقية على مستوى مراقبة الانتخابات، واكتسبت تجربة قوية في هذا الميدان تخولها الحكم بشكل قوي على أية انتخابات.
قبول المغرب بوجود مراقبين دوليين وقبول منظمات دولية ذات مصداقية مراقبة الانتخابات، يعني أن المغرب في هذا الميدان دخل مستوى من مستويات الشفافية في الممارسة الانتخابية باعتبارها عنوانا للممارسة الديمقراطية، تجعله بلدا في الصف الأول من الدول الديمقراطية.
لما يقدم بلد يعتبره بعض المنصفين أنه في طور التأسيس الديمقراطي على مثل هذه الخطوة وبكامل الأريحية، فإنه لم يعد في طور التأسيس ولكنه دخل الصف الأول من الدول الديمقراطية، أي أنه ليس لديه ما يخفيه عن العالم فيما يتعلق بممارسة الديمقراطية وفي شقها الاختياري أي الانتخابات، وأن المغرب كما فتح مؤسساته للمفوضين الدوليين خصوصا ما يتعلق بحقوق الإنسان واحترامها لن يخشى من أن يراقب خبراء دوليون انتخاباته، لأن حتى الخروقات والاختلالات وضع لها قواعد للعقوبات والتقويم حتى لا تشوب الممارسة السياسية شائبة، وبالتالي ما على كل الأجانب سوى أن يقوموا بدورهم في المراقبة الانتخابية.