شهد المغرب تزايداً ملحوظاً في أعداد المتقاعدين الأوروبيين الذين يختارونه كوجهة للاستقرار بعد انتهاء حياتهم المهنية، حيث يفضل عدد كبير منهم المدن المغربية على نظرائهم في أوروبا، نظراً لتكاليف المعيشة المنخفضة والمناخ المعتدل، فضلاً عن الروابط الثقافية والتاريخية التي تجمع المغرب بعدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا.
ارتفاع أعداد المتقاعدين الفرنسيين في المغرب
تقدر أعداد المتقاعدين الفرنسيين الذين استقروا في المغرب بين 60,000 و70,000 شخص، وفق تقارير إعلامية، حيث تتوزع إقامتهم بين المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، مراكش، وأكادير، إلى جانب بعض المناطق الساحلية والريفية التي توفر بيئة أكثر هدوءاً وراحة.
ويعود هذا التوجه إلى عوامل اقتصادية واجتماعية، أبرزها المناخ المعتدل الذي يجذب الفرنسيين الباحثين عن ملاذ دافئ بعيداً عن الشتاء القارس في أوروبا، إضافةً إلى أن تكلفة المعيشة في المغرب تقل بشكل ملحوظ مقارنة بفرنسا، مما يتيح للمتقاعدين الاستمتاع بمستوى حياة مرتفع مقابل ميزانية أقل.
من جهة أخرى، فإن اللغة الفرنسية المستخدمة على نطاق واسع في المغرب، إضافة إلى الإرث الثقافي المشترك بين البلدين، يسهل على المتقاعدين الاندماج في المجتمع المغربي دون الحاجة إلى تعلم لغة جديدة، مما يجعل قرار الاستقرار أكثر سلاسة.
الألمان ينضمون إلى قائمة المتقاعدين في المغرب
لا يقتصر الأمر على الفرنسيين، بل إن المغرب أصبح يشهد زيادة كبيرة في أعداد الألمان الذين يزورونه أو يختارونه للإقامة لفترات طويلة. فقد استقبل المغرب خلال عام 2024 أكثر من 826,000 سائح ألماني، بزيادة كبيرة مقارنة بالسنوات الماضية، وفق إحصائيات المكتب الوطني المغربي للسياحة.
وتعود هذه الزيادة إلى عدة عوامل، من أبرزها ارتفاع عدد الرحلات الجوية بين المغرب وألمانيا، حيث ارتفعت الطاقة الاستيعابية للرحلات بنسبة 58% لعام 2024-2025 مقارنة بالعام السابق، مما سهّل وصول الألمان إلى وجهات مغربية مثل مراكش، أكادير، الدار البيضاء، وفاس.
كما أن المغرب يوفر بيئة سياحية غنية بالتنوع الثقافي والتاريخي، إضافة إلى مناخ معتدل يسمح للألمان بالاستمتاع بالطقس الدافئ طوال العام، مما يجعل الإقامة فيه جذابة خاصة لمن يبحثون عن فترة تقاعد مريحة.
التحديات والفرص في “الاقتصاد الفضي”
ورغم هذا التزايد الملحوظ، يواجه المغرب بعض التحديات في استيعاب أعداد أكبر من المتقاعدين الأوروبيين، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية الموجهة لهذا النوع من السياحة. فإغلاق بعض المخيمات السياحية ومنع العربات المتنقلة في بعض المناطق حدّ من الخيارات المتاحة أمام المتقاعدين الذين كانوا يعتمدون على هذه الخدمات للإقامة بتكاليف منخفضة.
وفي هذا السياق، يرى خبراء أن المغرب بحاجة إلى تطوير ما يُعرف بـ”الاقتصاد الفضي”، وهو السوق الموجه لكبار السن، عبر تقديم خدمات سياحية وسكنية تلائم احتياجاتهم، مثل المنتجعات الصحية والمرافق الطبية المتخصصة والمساكن المصممة خصيصاً للمتقاعدين الأجانب، مما قد يجعل المملكة وجهة أكثر جذباً لهذه الفئة مستقبلاً.
المغرب كوجهة مستقبلية للمتقاعدين الأوروبيين
مع استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة في أوروبا وتزايد أعداد المتقاعدين الباحثين عن وجهات أكثر راحة، يبدو أن المغرب مرشح ليصبح أحد أبرز الخيارات المتاحة أمامهم، خاصة إذا تمكن من تطوير بنيته التحتية بما يتماشى مع احتياجات هذه الفئة.
وبفضل موقعه الجغرافي القريب من أوروبا، ومناخه المعتدل، وتكاليف المعيشة المناسبة، والروابط الثقافية القوية مع بعض الدول الأوروبية، يبدو أن أعداد المتقاعدين الأجانب في المغرب ستواصل الارتفاع خلال السنوات المقبلة، مما قد يفتح الباب أمام فرص اقتصادية جديدة تعزز من مكانة المملكة كوجهة مفضلة للمتقاعدين.