في قلب التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة، برزت سبع دول عربية ضمن قائمة أكبر 20 دولة في القدرة المتوقعة لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية. لكن ما يثير الانتباه هو أن دولتين مغاربيتين، المغرب وموريتانيا، تصدرتا المشهد، وفقًا لتقرير حديث صادر عن وحدة أبحاث الطاقة في واشنطن.
موريتانيا.. عملاق نائم أم نمر قادم؟
على نحو مفاجئ، جاءت موريتانيا في المرتبة الأولى عربيًا والثانية عالميًا بعد أستراليا، مع قدرة إنتاجية متوقعة تصل إلى 47 غيغاواط. لكن المفارقة أن هذه المشاريع، رغم ضخامتها، لا تزال في مراحل الإعلان دون تنفيذ فعلي، ما يطرح تساؤلات جدية حول قدرة نواكشوط على تحويل الطموحات إلى واقع ملموس. فهل يمكن لدولة ذات بنية تحتية محدودة أن تواكب سباق الطاقة العالمي؟
المغرب.. ريادة فعلية لا مجرد أرقام
على بعد مئات الكيلومترات، يتحرك المغرب بخطى أكثر ثباتًا. فقد حلّ في المرتبة الثالثة عربيًا والرابعة عالميًا، مع قدرة متوقعة تبلغ 24.49 غيغاواط، لكنه يختلف عن موريتانيا في نقطة جوهرية: التنفيذ. فالمغرب لا يكتفي بالإعلان عن مشاريع مستقبلية، بل يملك اليوم مشاريع قيد الإنشاء، وأخرى دخلت حيز الإنتاج، ضمن استراتيجية واضحة تستهدف إنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030.
هذا التوجه ليس وليد اللحظة، بل يأتي ضمن رؤية ملكية تجعل من الطاقات المتجددة ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي. في 11 مارس 2024، أعلنت الحكومة رسميًا عن “عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر، مؤكدة اهتمام مستثمرين عالميين بضخ مليارات الدولارات في مشاريع ضخمة بالأقاليم الجنوبية.
عُمان ومصر.. لاعبان رئيسيان في السوق الجديدة
بينما يتصدر المغرب وموريتانيا المشهد المغاربي، نجد أن سلطنة عمان تحتل المرتبة الثانية عربيًا والثالثة عالميًا بقدرة إنتاجية متوقعة تصل إلى 31.93 غيغاواط، لكنها، بخلاف موريتانيا، دخلت فعليًا مرحلة التنفيذ، مع مشاريع بقدرة 451 ميغاواط قيد الإنشاء، وخطة طموحة لإنتاج 1.25 مليون طن سنويًا بحلول 2030.
أما مصر، التي جاءت في المرتبة الرابعة عربيًا والسابعة عالميًا، فقد بدأت بالفعل تصدير شحنات الأمونيا الخضراء منذ عام 2023، وهو ما يعكس تحولها إلى لاعب إقليمي مهم، رغم أن قدرتها الإنتاجية المتوقعة تبقى في حدود 13.91 غيغاواط.
استثمارات ضخمة.. ولكن هل تتحقق الوعود؟
التحول نحو الهيدروجين الأخضر ليس مجرد سباق أرقام، بل هو اختبار حقيقي لقدرة الدول العربية على جذب الاستثمارات وتوفير بيئة تنظيمية مواتية. في المغرب، أعلنت الحكومة قبل أيام عن اختيار خمسة مستثمرين دوليين لإنجاز ستة مشاريع كبرى باستثمارات تصل إلى 319 مليار درهم، مع التزام بتوفير الأراضي والبنية التحتية المناسبة.
لكن هذا السباق يواجه تحديات حقيقية، أبرزها التمويل والبنية التحتية. ففي حين أن دولًا مثل الإمارات والسعودية تمتلك خططًا لإنتاج ملايين الأطنان سنويًا، إلا أن قدراتها الإنتاجية الحالية تبقى متواضعة مقارنةً بالمغرب أو عمان.
سباق عالمي.. والدول العربية في موقع متقدم
الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر يتزايد بوتيرة سريعة، حيث تستثمر أوروبا وأمريكا والصين مئات المليارات في هذا القطاع. في هذا السياق، يمكن للدول العربية أن تتحول إلى مورد رئيسي إذا نجحت في تذليل العقبات التقنية والاستثمارية.
فهل يكون المغرب وموريتانيا وعمان في طليعة هذه الثورة الطاقية؟ أم أن هذه الطموحات ستظل مجرد وعود على الورق؟ الأكيد أن السنوات المقبلة ستحمل الإجابة، لكن المؤشرات الحالية توحي بأن المنطقة العربية تقترب أكثر من أي وقت مضى من أن تصبح قوة طاقية عالمية جديدة.