شدد الميلودي موخاريق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، على أن النموذج التنموي الجديد الذي يتم الاشتغال على بلورته حاليا، يتعين أن يأخذ في الاعتبار ضرورة احترام القوانين الاجتماعية وضمان العمل اللائق وتوفير ظروفه وكذا تحقيق العدالة الجبائية.
وأكد موخاريق عقب اجتماع خصصته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي برئاسة شكيب بنموسى، للاستماع لممثلي الاتحاد المغربي للشغل، أن الحركة النقابية تعتبر أن أول مدخل لبناء النموذج التنموي الجديد يتمثل في سمو واحترام القوانين الاجتماعية، وعلى رأسها مدونة الشغل.
ودعا المسؤول النقابي، الى ضرورة ضمان ظروف عمل لائق وأجور لائقة وتغطية اجتماعية وتغطية صحية في المستوى، و الانكباب على إشكالية العدالة الجبائية بالنظر إلى “الحيف الكبير” الذي يطال الطبقة العاملة ويثقل كاهلها بالضرائب، ولاسيما الضريبة على الدخل.
وأوضح مخاريق، أن وفد الاتحاد المغربي للشغل توقف خلال هذا الاجتماع أيضا عند إشكالية الهشاشة في العمل التي أصبحت “متفشية وتهدد التماسك الاجتماعي”، بالنظر إلى وجود مجموعة من القطاعات المهنية التي تعمل بما يسمى بالعقدة ولمدة محددة، فضلا عن العديد من الوكالات وشركات الوساطة.
و طرح وفد الاتحاد المغربي للشغل، إشكالية التغطية الاجتماعية والتغطية الصحية “التي لا يتمتع بها جميع المغاربة للأسف” رغم وجود قوانين اجتماعية في المستوى، حيث أكد موخاريق ، بأن الاتحاد المغربي للشغل سيقدم للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد وثيقة جامعة تضم مختلف مقترحاته حتى يكون هذا النموذج التنموي في مستوى تطلعات الشعب المغربي وفي مقدمته الطبقة العاملة.
وقدم الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، مقترحاته للمساهمة في النقاش الوطني العمومي حول النموذج التنموي الجديد ، مؤكدين أن “اللقاء عرف تقديم النعم ميارة، الكاتب العام للاتحاد، عرضا بسط خلاله رؤية الاتحاد للنموذج التنموي الجديد، مؤكدا على حرص الاتحاد على استلهام العبر من خلال ضرورة تشخيص الواقع الحالي الذي يعيشه المغرب، في إطار النموذج التنموي الحالي، وما سبقه من نماذج تمت بلورتها منذ الاستقلال المغرب وإلى الآن”.
وأوضح النعم ميارة، أن “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، منذ تأسيسه في 20 مارس 1960، لم يكن يوما نقابة “خبزية” بمعناها القدحي، ولم ينزو صوب المواقف والقرارات ذات خلفية ظرفية أو آنية، فقد ظل دائما ذا رؤية سياسية استشرافية مرتبطة بدينامية المجتمع وحاجته للتغيير، ومنتصرا للذات السببية التي قامت عليها الحاجة والغائية من تأسيس النقابات باعتبارها شريك اجتماعي ووسيط ديمقراطي يساهم في تأطير عموم المواطنات والمواطنين، ويرسخ مظاهر السلم والأمن الاجتماعي”.
وأبرز ميارة ، الخطوات التي قام بها الاتحاد من أجل بلورة هذا التصور بداية بتنظيم لقاء دراسي حول النموذج التنموي، ووضع منصة لتلقي المقترحات والتصورات من طرف النقابات المنضوية تحت لواء الاتحاد وطنيا ومحليا، والتي هيئة رؤية تعبر عن انتظارات شريحة عريضة من الشغيلة المغربية”.
وتقوم رؤية الاتحاد العام للنموذج التنموي، على أزيد من 60 مقترح تدبير وإجراء، تتوزع على أربعة محاور أساسية هي: “تعزيز التحديث السياسي والحكامة المؤسساتية والديمقراطية”، و”تنمية الاستثمار وتقوية الاقتصاد الوطني”، و”تحسين مجال الحماية الاجتماعية وتقوية الاهتمام بالبعد الثقافي الوطني والبيئي”، و”تجاوز إكراهات العمل النقابي وتقوية حضور النقابة كشريك مجتمعي”.
ودعت النقابة، الى “ضرورة رسم وبلورة تعاقد سياسي جديد، ينتفض على النظرة الكلاسيكية لمفهوم المواطنة القائمة على التقاطب الثنائي الحاد والجامد بين الحقوق والواجبات، وهذا ما يستدعي ضرورة توفير فضاء أوسع للمشاركة الفاعلة لجميع المواطنات والمواطنين في صناعة القرار؛ وهو ما سيساهم في رفع تحدي إعادة ثقة المواطنين في المؤسسات”، و إلى “تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفعيل مبادئ الحكامة الجيدة، كآلية للتدبير في مختلف المرافق والمؤسسات العمومية، استنادا على الآليات الحديثة في التسيير”، مركزا على ضرورة “إعادة الاعتبار لمؤسسات الوساطة الديمقراطية من أحزاب وجمعيات ونقابات، خصوصا في ظل تنامي الديناميات غير المهيكلة والتي تضرب في عمق العمل النضالي الوطني المؤسساتي الذي تقوم به هذه المؤسسات”.
وطالبت النقابة بـ “إجراء إصلاحات دستورية، تحاول تجاوز الاعطاب والنواقص التي أبانت عنها التجربة الدستورانية المغربية لدستور 2011، ما يفرض ضرورة إخراج تعديل دستوري لمجموعة من الفصول إلى الوجود، ما يفعل المبدأ الدستوري المؤطر لفصل السلط القائم على -سلطة توقف وتراقب سلطة-، إضافة إلى إعطاء النقابات المكانة التي تستحقها ضمن نص الوثيقة الدستورية”، و “إصلاح الثغرات الدستورية التي أفرزتها بعض التجارب السياسية مثل ما حدث خلال تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016، ما أضاع على المغرب ستة أشهر من الزمن التنموي والذي نحن في حاجة ماسة إليه”.
وقدمت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، مذكرةً تضمنت رؤيتها للنموذج التنموي الجديد، موضحة من خلاله أن النموذج التنموي الذي تتصوره النقابة يجب أن يكون محمولاً على إصلاحات جوهرية ومقدمات أساسية، وتضم الإصلاحات الجوهرية إجراء حوار وطني شامل لوضع أسس الإصلاحات الدستورية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإرساء دعائم ومرتكزات بناء ديمقراطية حقيقية تضمن السيادة الشعبية.
و دعت مذكرة النقابة إلى الفصل بين المال والسلطة وربط المسؤولية بالمحاسبة وفصل حقيقي للسلط مما يُمكِّن المؤسسات من ممارسة أدوارها باستقلالية، وطالبت المذكرة بإرساء دعائم عقد اجتماعي جديد، وإقرار الحريات العامة والفردية ووقف المتابعات للنشطاء والنقابيين والسياسيين عبر إصدار عفو عام وشامل لكافة معتقلي الحراكات الشعبية في البلاد.
و أكدت النقابة ، أن المغرب بحاجة إلى إعادة بناء اقتصاد وطني قوي وعادل ومختلط ومنتج ومتضامن ورفيق للبيئة ينبني على اختيارات تعطي الدور المحوري للدولة كفاعل استراتيجي في المجال التنموي،و أن هناك ضرورة لمحاربة تمركز الثروة، وأن يكون خلقها مُحركاً اقتصادياً ومُراكِماً للاستثمار المنتج والخالق لفرص الشغل.
واقترحت النقابة إنشاء بنك عمومي للاستثمارات العمومية والخاصة لتمويل الاستثمارات ذات البعد الاجتماعي التي لم يتم تمويلها من طرف البنوك، و تنويع الاقتصاد الوطني من خلال أقطاب منسجمة ومتكاملة بين القطاعين العام والخاص والاقتصاد التضامني والاجتماعي، ومحاربة اقتصاد الريع ووضع حد لكل الامتيازات والرخص والاحتكارات.
وكانت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي قد شرعت الخميس في جلسات الاستماع للأحزاب والنقابات، باجتماعات عقدتها مع ممثلي كل من أحزاب العدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاستقلال، إضافة إلى اجتماع آخر عقدته الجمعة مع حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية.
وكانت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أعلنت عن قرارها تنظيم جلسات استماع واسع ومنفتح للمؤسسات والقوى الحية للأمة المتضمنة للأحزاب والنقابات والقطاع الخاص والجمعيات، في إطار روح الانفتاح والبناء المشترك، وذلك بهدف جمع مساهمات وآراء جميع الأطراف المدعوة إلى هذه العملية.
كما أشارت اللجنة الخاصة إلى أنها ستوفر، في نفس الإطار التشاركي، منصة رقمية لتلقي وتجميع مختلف المساهمات والأفكار التي يتقدم بها المواطنون من أجل إغناء النقاش والتصورات، وستقوم اللجنة أيضا بتنظيم مجموعة من اللقاءات الميدانية للاستماع للمواطنين ولمختلف مكونات المجتمع المغربي، رغبة منها في توطيد روح التفاعل والانفتاح الذي يميز عملها.