مطلع السنة المقبلة، التي لم يعد يفصلنا عنها سوى شهرا ونيف، ستقوم اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي برفع تقريرها التركيبي إلى جلالة الملك محمد السادس، الذي عينها قبل سنة، وكان مقررا أن ترفع لنظره خلاصة أعمالها نهاية يونيو الماضي غير أن ظروف جائحة كورونا دفعت إلى تأجيل الأمر بالنظر لما أحدثته الأزمة الصحية من معطيات جديدة، كشفت عن وقائع كثيرة تتعلق بالوضع الصحي والمنظومة الطبية كما غيرت الاستراتيجية الاقتصادية، وبالتالي كان يلزم إعادة بناء تصور المغاربة لبلدهم في العقد المقبل وفق ما أفرزه الواقع.
لجنة النموذج التنموي تسعى إلى وضع تصور لمغرب آخر مختلف، بعد الإعلان عن فشل النموذج السابق، وبالتالي تشكيل تصور عن مغرب المستقبل، بناء على انشغالات المغاربة وتطلعاتهم، فهناك أساسات للانطلاق، لكن هناك معيقات كبيرة لابد من معالجتها كي ينطلق قطار النموذج التنموي بشكل سليم.
وفق ما تسرب من أشغال لجنة النموذج التنموي، أن أهم انشغالات المغاربة، وما يشكل عنصر اهتمام بل ضغط على الأسر، هو الصحة والتعليم والعدالة ومحاربة الفساد، باعتبارها أربعة أركان إذا تم الحسم فيها يمكن الانطلاق بسرعة قياسية وهناك نماذج دولية،سارت في هذا الطريق، مثل النمور الآسيوية، التي كانت إلى عهد قريب تعاني من التخلف.
الجواب عن أسئلة الصحة والتعليم مدخل حقيقي للتقدم، إذ لا يمكن ولوج عصر التنمية، دون تعليم حقيقي قادر على تأهيل الإنسان كي يستطيع التأقلم مع المتغيرات التقنية ومع سوق الشغل والإنتاج والإبداع، إذ بفضل إصلاح التعليم يتم تمكين المواطن من أدوات الانخراط في الدورة الإنتاجية وبشكل علمي، بل يشجع التعليم حتى على التشغيل الذاتي وإبداع المشاريع، وعدم انتظار الدولة توفير مناصب الشغل.
كما تشكل الصحة المدخل الرئيسي لأي مستقبل تنموي باعتبار التقدم الصحي والمنظومة الصحية يخول للمواطن بيئة سليمة للتعليم والإنتاج، وكلما كان الوضع الصحي جيدا كلما كان المجتمع قادرا على الإنتاج الجيد، وكل علماء الاقتصاد يربطون بين الصحة ووضع الإنتاج، فإذا تدهورت انحط أسفل سافلين، وكلما تقدم الطب والوضع الصحي كلما ازدهر الإنتاج.
يظهر أن لجنة النموذج التنموي، التي استمعت للأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني والفاعلين، كما تلقت آلاف الرسائل عن طريق موقعها الرقمي، وجابت المدن والقرى للاستماع لعينات دون اختيار، تجمع لديها اليوم مواقع وتطلعات وانشغالات سيتم جمعها في التقرير التركيبي، الذي سيتم الشروع في إنجازه مع بداية دجنبر.
إذن نحن اليوم أمام فلسفة وعقيدة تنموية ستغير وجه المغرب، وهي عقيدة في حاجة إلى مؤمنين بالوطن لا مجرد أحزاب وجمعيات وفاعلين غرضهم تحقيق مكاسب شخصية، فالعقيدة تحتاج إلى أناس يضعون الوطن نصب أعينهم ويضعون هذه التصورات خيارا للنجاة ودخول جنة الوطن، الذي لا يرحم من يكفر به، فالإيمان بالوطن ليس سهلا ولكنه التزام.