حاول الخطاب الموجه من الحكومة إلى الأساتذة استيحاء مفهوم “النية” للتعبير عن صدق المسعى بين الطرفين. وحتى الصدق نفسه خلق يُعرف بالتجربة الاجتماعية، لا نعرف الكاذب إلا بالتجربة كما لا نعرف خالص الكلام إلا بالتجربة أيضا. ومن المعاملة يظهر معدن الناس. ومفهوم “النية” من الأخلاق الاجتماعية، لا بمعنى السذاجة كما يوحي بها البعض، ولكن بمفهوم إخلاص السريرة في العمل.
خطاب الحكومة مبني على وعود، وأغلب الوعود لم يتم تنفيذها. فكيف تريد من فئات المجتمع أن تصدق الحكومة عندما تدعوها لإعمال النية؟ النية تعرف بالتجربة الاجتماعية. التجربة تفيد أن الحكومة لا تفي بوعودها. وقلنا للحكومة في أكثر من مرة ينبغي القبول بعدة أمور وعلى ضوئها يتم التأسيس لعلاقة الثقة من جديد.
النية التي أسس لها وليد الركراكي، مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم، خلال فعاليات كأس العالم بقطر سنة 2022، كانت مبنية على فعل تواصلي يعتمد المفردة المغربية الأصيلة للصدق، لكن بعد ماذا؟ قال “ديرو النية” وسنحقق المستحيل. النية جاءت بعد جهد شاق في اختيار اللاعبين والتمييز بينهم ومعرفة من يصلح لكل مرحلة ثم القيام بتداريب شاقة، وغيرها من احتياجات الفريق المتكامل، وبعدها قال “ديرو النية”. أي إن النية هي آخر شيء. بمعنى ثقوا في قدراتنا.
النية كما طرحها وليد الركراكي ليست مبنية على التسليم المطلق، ولكن مبنية على المحاسبة بعد العمل والمحاسبة بعد النتائج وربط هذه بتلك. بمعنى ثقوا بأننا سنقوم بكل جهدنا لتحقيق نتيجة مرضية للجميع، لكن هذه النتيجة ليست نهائية، والأمر يتعلق بكرة القدم، التي ليست لها نتائج مضمونة. لكن هناك لعب جدي ولعب غير جدي.
أما النية التي تطالب بها الحكومة فهي غير مبنية على أساس. لأن الحلول التي ينبغي أن تطرحها الحكومة يلزم أن تكون قابلة للتنفيذ والتنزيل على أرض الواقع، لا بلغة الاحتمالات في كرة القدم، ولكن بلغة العلم المفقودة في هذه الحكومة بشكل كبير.
الغريب أن مجال الكرة، الذي هو مجال الاحتمالات بعد القيام بالواجب في التكوين والتدريب وقبلهما الاختيار، يسير بأسلوب “النية” بما هي صدق الأقوال والأفعال، بينما الحكومة التي هي مجال التخطيط والتدبير تحاول أن تقلدها لكن دون أفعال دالة على ذلك.
يقول المغاربة “النية أبلغ من العمل”. معناها العزيمة والإصرار والإقدام والتخطيط له أولوية على النتائج. وما العمل إلا وسيلة للربط بين النوايا، بالتعريف الكامل لها، وبين الأهداف، التي هي نتائج، في كرة القدم تبقى احتمالية بينما في التدبير الحكومي ينبغي أن تكون مبنية على معطيات الواقعة وعلى التخطيط الجيد والبرنامج الواضح.
في أزمة التعليم سمعنا مطلب “النية” لكن بالفهم التقليدي غير الواقعي، التي تعني مطالبة الآخر بأن يكون “ساذجا” مقابل مقترحات مليئة بالتناقض وإصرار على التحدي.