أي حكومة تبحث عن مبررات لما تقوم به أو ما لم تستطع القيام به، لكن لابد من أن يكون تعليلها منطقيا ومقنعا على الأقل لفئة من المتتبعين، لكن ما فاه به مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، بخصوص غلاء الأسعار وأحداث الشغب “الرياضي” هو محاولة لاستغباء العقل الجمعي لهذا الشعب، في وقت أراد أن يكون مقنعا فأصبح “مُضحكا”، لأنه أرجع غلاء الأسعار إلى المضاربات وأحداث الشغب إلى إضراب “المتعاقدين” أو الأساتذة أطر الأكاديميات حسب التسمية التي تحلو لكل واحد.
ما معنى أن تقول الحكومة على لسان الناطق الرسمي باسمها إن غلاء الأسعار سببه الاحتكار؟ هذا عذر أقبح من الزلة كما يقال في المثل البليغ. لأن الحكومة هي المعنية بمحاربة الاحتكار، الذي قد يؤدي لا قدر الله إلى الخراب، وما وقع في سوق أحد ولاد جلول نواحي القنيطرة، هو نذير لمن ألقى السمع وهو شهيد، فالحكومة تتوفر على كافة الأدوات القانونية والتنفيذية لزجر المخالفين والمحتكرين.
فهل الحكومة تنتظر من المواطن أن يقوم بنفسه بمحاربة الاحتكار، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في طريقة المواطن، غير المنتظم وغير المؤطر من قبل الأحزاب والجمعيات، في محاربة الاحتكار، ونموذجها الجلي اليوم هو ما وقع نواحي القنيطرة، فهل الحكومة مستعدة لتحمل تبعات ذلك أم أنها تركت الحبل على الغارب ورفعت شعار “لهلا يقلب” وقررت أن تسقي البلد بكأس الفوضى؟
أما التبرير الثاني الأكثر هزلا ويصلح لأحسن سكيتش في أحسن برنامج فكاهي هو ربط شغب الملاعب بإضراب المتعاقدين، فحسب الوزير وبما أن هؤلاء في إضراب ولا يذهبون إلى المدرسة تركوا التلاميذ، الذين لم يجدوا ما يعوضوا به سوى ملاعب كرة القدم، ومن تم اندلعت أحداث الشغب.
يا سبحان الله أول مرة نعرف أن هؤلاء المتعاقدين هم السبب في كل شيء، وهو المسؤولون عن كل ما يحدث لنا. غريب. نحن ضد معالجة ملف هؤلاء على حساب تعليم أبناء الشعب المغربي لكن لسنا ضد حقوقهم إن كانت لهم حقوق. ونعرف أن تدني مستوى التعليم في المدرسة المغربية تسبب في جيل غير معني بالأخلاق. وربما هذا من أسباب أحداث الشغب، لكن إلصاق القضية بالمتعاقدين فيه حيف كبير، ويتضح معه أن المسؤول الحكومي لم تعد له تلك القيمة السياسية الكبيرة، فيمكن أن يقول أي شيء مهما كان.
قلنا في وقت سابق إن واحدة من أسباب أحداث الشغب الأخيرة هو الاحتقان الذي يعيشه المغرب بسبب إجراءات الحكومة. نعرف أن الشغب يحدث في كثير من بلدان العالم، لكن مثلا في باريس ولندن شغب المترفين، وحتى في المغرب وقع بسبب حزازات بين المشجعين، لكن هذا الأخير تتحمل الحكومة جزءا من المسؤولية فيه وينبغي محاسبتها، ولا يمكن تبرير ما وقع بالمثل القائل “طاحت الصمعة علقوا الحجام” وقد “طاحت سمعة الحكومة”.