دخلت حكومة سعد الدين العثماني، على خط الجدال القائم بمجلس النواب، على إثر توجيه برلمانيين دعوة الى رئيس النيابة العامة للحضور الى مناقشة السياسية الجنائية بالمغرب في اجتماعات لجنة التشريع والعدل، حيث اختارت الحكومة تخصيص اجتماع حكومي لمناقشة وتدارس السياسة الجنائية بالمغرب، بالتزامن مع دعوة لجنة التشريع والعدل بمجلس النواب الى مناقشة السياسة الجنائية بحضور رئاسة النيابة العامة، الأمر الذي وضع الفرق النيابية الممثلة في لجنة التشريع والعدل بالبرلمان الى الاصطدام مع بنود الدستور.
ويواجه البرلمانيين بمجلس النواب، تصريحات النيابة العامة بكون “الدستور لا يسمح للمحاكم بالتداول في مناقشات البرلمان ولا الخوض في مهامه الدستورية، إلا في حدود ما تسمح به القوانين، في ظروف محددة كالطعون الانتخابية، أو في حالة ارتكاب بعض المخالفات الجنائية مثلا”، وتشدد النيابة العامة، على أن “استقلال القضاء يعني السلطة التنفيذية ، لأن الدستور جعل السلطة القضائية مستقلة عنها، ولذلك فإن احترام الدستور يدعو الحكومة، ليس فقط إلى احترام هذا الاستقلال، وإنما كذلك إلى دعمه والمساهمة في ترسيخ بنائه”.
وتحاول الحكومة مناقشة السياسة الجنائية بالمغرب، أمام “بلوكاج” غريب لمشروع القانون الجنائي، الذي لازال حبيس رفوف لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، منذ أربع سنوات، حيث يتجه وزير العدل محمد بنعبد القادر، في بداية أشغال المجلس الحكومي، الى تقديم عرض حول المداخل العامة للسياسة الجنائية بالمغرب.
وعرفت تعديلات الفرق البرلمانية، على مشروع القانون الجنائي، تأجيلات منذ من 20 شتنبر الماضي إلى 30 نونبر الماضي، ثم تأجل إلى 13 دجنبر الجاري، بعدما طلب فريق الأصالة والمعاصرة ، تأجيلا جديد لأجل إيداع التعديلات، طالبا عقد لقاء للجنة مع وزير العدل محمد بنعبد القادر.
و كشفت معطيات، عن الملامح الجديدة لمنظومة القانون الجنائي، بعدما سُربت مجموعة من التعديلات القانونية من ردهات البرلمان، و التي ستغير ملامح القانون الجنائي الحالي، عبر استيراد أشكال قانونية جديدة لمواجهة ظواهر الاكتظاظ في السجون، والتصدي لإشكاليات الاعتقال الاحتياطي، والإنهاء مع عقوبات سالبة للحريات في حق جنح ترتكب بالشارع العام، من قبيل التشرد وتعاطي الخمر والمخدرات، واعتماد القيد الالكتروني واعتماد الفيديو في جلسات التحقيق، ويتجه القانون الجنائي الجديد، الى ضخ مقتضيات جديدة تتعلق بتجريم العديد من السلوكات المخالفة للقانون، تلائم الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة في مجال القانون الدولي، وأيضا في مجال محاربة الجريمة، كتجريم الرشوة في القطاع الخاص، وتجريم الإثراء غير المشروع، وتجريم تنازع المصالح، وتجريم العصابات المنظمة.
واقترحت الحكومة تقنية التجنيح التشريعي، لمراجعة توصيف العديد من الجرائم من الجنايات إلى جنح نظرا لعدم خطورتها، وإلغاء التجريم عن بعض السلوكات التي أصبح من غير المعقول الاحتفاظ بها كجريمة التشرد، وتقييد السلطة التقديرية للقاضي بتقليص الفارق بين الحدين الأدنى والأقصى لعدد من العقوبات، وتوسيع صلاحيات القضاة في تطبيق العقوبات الأخرى، والتقليص من حالات الحكم بعقوبات بالإعدام.
وتتجه المنظومة القانونية الجديدة، الى اعتماد بدائل للعقوبات السالبة للحرية، كالعمل من أجل المنفعة العامة، والغرامة اليومية، والقيد الإلكتروني، والوضع تحت الاختبار القضائي وغيره، باعتبارها آليات تساهم في معالجة العديد من المشاكل الموجودة اليوم.
ويتضمن إعداد مشروع قانون المسطرة الجنائية، تعديلات تستمد مرجعيتها من الدستور ومن الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ومن ضمنها تعزيز وتقوية الضمانات للمحاكمة العادلة، وتعزيز حقوق الدفاع، وتعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية، ومراجعة الوضع تحت الحراسة النظرية، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، ووضع آليات للوقاية من التعذيب، وتعزيز وتقوية آليات مكافحة الجريمة وحماية الضحايا، وإرساء مقاربة جديدة لعدالة الأحداث، ومقاربة آليات التنفيذ الزجري.
ويتجه القانون، الى اعتماد التسجيل السمعي البصري أثناء استجواب الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية للمشتبه في ارتكابهم جنحا أو جنايات، والتنصيص على حضور محام خلال الاستماع للمشبه فيهم، أو الأحداث المحتفظ بهم أو الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية، ومنح حق الاتصال بالمحامي ابتداء من الساعة الأولى لإيقاف المشتبه فيه، وعدم جواز تمديد مدة الحراسة النظرية إلا بمقتضى أمني كتابي معلل، صادر عن النيابة العامة بالنسبة لكافة الجرائم، وإلزام ضابط الشرطة القضائية بإخضاع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية لفحص طبي، بعد إشعار النيابة العامة، والتنصيص على بطلان كل إجراء يتعلق بشخص موضوع تحت الحراسة النظرية، إذا تم بعد انقضاء الحراسة النظرية.
ويتجه القانون الى التشريع لأنسنة مراكز الاعتقال، من خلال تحسين شروط عيش النزلاء، لا سيما ما يتعلق بتخفيض معدلات الاكتظاظ، وتعزيز أدوار الرقابة القضائية والإدارية، وإقرار ضمانات حماية الأمن الشخصي للمحرومين من الحرية، وذلك من منطلق أن “العقوبة هي الحرمان من الحرية وليست تجريد الأفراد من حقوقهم الأساسية وتهديد سلامتهم البدنية والنفسية والعقلية “، و النظر إلى السجون كفضاءات مخصصة لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية، وحصر وظيفتها في الجوانب الأمنية وفرض الانضباط السجني، مما يبعد هذه المؤسسات عن أدوارها الاجتماعية والتربوية.
وعمل المغرب على تعزيز أدوار الرقابة القضائية والإدارية على المؤسسات السجنية في بعديها الوقائي والحمائي، وذلك “بالرغم من الإكراهات المسجلة، ظلت أبواب المؤسسات مفتوحة أمام زيارات مختلف الآليات الأممية لحقوق الإنسان، كالمقرر الخاص المعني بالتعذيب واللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب، كما أذنت المملكة لهذه اللجنة بنشر تقرير الزيارة واعتباره وثيقة عامة، وذلك في وقت ظلت العديد من الدول متحفظة ومترددة في رفع الطابع السري لهذه التقارير”.