مر عزيز أخنوش، رئيس الحكومة ورئيس “تجمع المصالح الكبرى”، إلى الخطوة الثانية من إعادة “التربية” للمغاربة، كما وعد ذات مرة وهو يخاطب مجموعة من مغاربة العالم بإيطاليا، وقرر “سد” الأفواه بعد أن أغلق في وجه المغاربة كل أبواب الأمل، حتى أصبحت أغلى الأماني هي أن يبقى الحال على ما كان عليه قبل حكومة الثامن من أكتوبر، التي ليس لها فرامل فيما يتعلق بالجرأة على كل ما هو اجتماعي.
كنا نعتقد سابقا أن حكومة العدالة والتنمية لم تبق لأحد شيئا فيما يتعلق بالجرأة، حيث قامت بإلغاء المقاصة وإفساد صناديق التقاعد، لكن كان تقديرنا في غير محله، لأن حكومة أخنوش هي “الناسخ والمنسوخ” بعينيه، حيث نسخت كل شيء وقررت القيام بعمل لن تترك بعدها للآخرين ما يقومون به.
اليوم قررت حكومة عزيز أخنوش منع مسيرة الدار البيضاء للاحتجاج على غلاء الأسعار، وهي آخر الأسلحة التي بقيت بيد الشعب ليعبر عن رفضه للهيب الأثمنة المتعلقة بالمواد الاستهلاكية، وحتى لا يسمع المواطن صوته منعته الحكومة من التعبير عن رأيه. والاحتجاج مؤطر دستوريا وقانونيا وأي منع يبقى خارج الدستور والقانون مهما كانت التعليلات والتبريرات.
لكن عزيز أخنوش، الذي وعد بتربية المغاربة وفى بوعده، وهو الوعد الوحيد الذي أخلص فيه، حيث أطلق قبيل الانتخابات وعودا لا حصر لها ومنها ما هو فلكي، وقال القيادي في الحزب رشيد الطالبي العلمي، الذي أصبح رئيسا لمجلس النواب، إذا لم نوف بوعودنا “إضربونا بالحجر”، وحتى لا يتم ضرب قادة الحزب بحجر الاحتجاج فقط قام أخنوش برمي الجميع بعصا المنع.
المستوى الأول من مستويات إعادة التربية هو فرض الأمر الواقع على الشعب، وفرض الزيادات في المواد الاستهلاكية، وأغلب المواد التي يحتاجها المواطن تضاعف ثمنها وكم من مادة زاد سعرها بالضعفين والثلاث. وأكد رئيس “تجمع المصالح الكبرى” أن مصلحة الشركات فوق كل اعتبار وأن الخسائر يؤديها المواطن وليست الشركات “غير المواطنة”، التي لا يهمها سوى الربح، بدليل مضاعفة رئيس الحكومة لأرباحه مرتين خلال أزمة كورونا.
والمستوى الثاني من مستويات إعادة التربية هي المنع من الاحتجاج. يعني يلزم المغاربة أن يتقبلوا الزيادات الباهضة في الأسعار وليس من حقهم أبدا أن يحتجوا، والاحتجاج في المغرب أسلوب في التعبير، وتصريف الاحتجاجات علميا خير من قمعها، حيث أحصت الجهات المسؤولة أكثر من 14 ألف احتجاج سنويا في مختلف المستويات.
البلدان التي يتم فيها قمع الاحتجاجات والضغط عليها، تعرف انفجارات كارثية على المستوى الاجتماعي نهايتها الفوضى العارمة، لأن بواسطة الاحتجاجات تتعرف الدولة على احتياجات المواطنين ومطالبهم، وتتدخل هنا وتصلح هناك.
ليس من مهام الحكومة إشعال الحرائق ولكن دورها هو التدبير السليم للفورة الاجتماعية، الناتجة عن إكراهات الواقع، لكن للأسف الشديد حكومتنا ليست على ما يرام، ونصر مرة أخرى على “التدخل الملكي” لإصلاح الوضع.