أعاد بلاغ الديوان الملكي حول القضية الفلسطينية ولالالتزام التاريخي لجلالة الملك محمد السادس، الروح للحياة السياسية من حيث هي مفاهيم. وفي تفاعل حزب العدالة والتنمية مع البلاغ والتأكيد على المبادئ التي لا يحيد عنها المغاربة، إعادة إنتاج لمفهوم السياسة. لقد فقدنا في هذه البلاد النقاش السياسي حول المفاهيم، في وقت سيطرت فيه مفاهيم “الوجبات السريعة” في النقاش العمومي، الذي لم يعد يختلف عن نقاش مواقع التواصل الاجتماعي، وانخرط ما يسمى المحللين في القنوات العمومية في نقاش شبيه بذلك.
هذا النقاش، إن كانت له من حسنات، هو أنه أعاد التأكيد على أن محور الديبلوماسية هو مجال محفوظ لجلالة الملك والمؤسسة الملكية، وهنا ينبغي التمييز بين الخارجية والديبلوماسية، التي يمزج بينهما البعض غلطا ومغالطة، فالخارجية هي كل ما يتعلق بالعلاقات الدولية وهو مجال تسهر عليه الوزارة المكلفة بالقطاع الحكومي، بينما الديبلوماسية أكبر بكثير من ذلك ويمتزج فيها عدد من الفاعلين، وهي ضامن لأمن البلاد ولا يمكن أن يفعل ذلك سوى جلالة الملك، ولعل من حسنات البلاغ هو التأكيد على أن الديبلوماسية لها فارس مقدام وأسد هصور هو ملك البلاد.
بلاغ العدالة والتنمية اختار أن يكون تفاعلا مع بلاغ الديوان الملكي، وهذه تحسب لبنكيران ومن معه، مؤكدا على أن النقاش محدود في سياق ما يسمح به الدستور والقانون والأعراف والأخلاق، لكن يعزز مفهوما أصبح غائبا، هو مفهوم الحزب السياسي، الذي له أدوار دستورية كبيرة، كما يعزز دور المعارضة، التي أرادت لها الأغلبية الجديدة ألا تكون أصلا.
الدستور أعطى معنى وقيمة للمعارضة لأن دون وجودها لا وجود لفصل للسلط، ومنحها مرتبة دقيقة حيث أولاها الفصول الأولى من الدستور، وهي تحظى بعناية جلالة الملك راعي الدستور وضامن استمراره، لكن ما شاهدناه أخيرا كان محاولة لضرب المعارضة لفائدة أغلبية عددية وليست أغلبية ذات نوع قادرة على خلق النقاش السياسي.
عدم اتفاقنا مع بنكيران وفي خرجاته وفي طريقته بما فيها اجتماع الأمانة العامة الاستثنائي لا يمنعنا من القول بأنه خلق لنفسه نوعا من الزعامة قادرة على جعل حزب العدالة والتنمية حاضرا حتى وهو يتوفر فقط على 13 برلمانيا، بينما زعيم حزب يتوفر على أكثر من 100 برلماني لا حضور له.
يستغل بنكيران ظروفا محددة بما فيها الجمع بين المال والسياسة في شخص أخنوش، مما يخلق كثيرا من الغموض والالتباس في تدبير الشأن العام.
من حسنات هذه البلاغات اليوم هو النقاش حول ما ينبغي أن يكون. ينبغي فتح النقاش الحقيقي لا “الذبابي” حول مفهوم الحكومة والأدوار الدستورية التي تتوفر عليها وهل هي ملتزمة بقواعد الدستور أم خارجة عنها، والنقاش حول مفهوم الحزب السياسي وأدواره الدستورية والقانونية، والنقاش حول كل المفاهيم التي تخلق حوارا سياسيا حقيقيا هو غير موجود اليوم.