محمد عفري
بمناسبة اليوم العالمي للتوعية ضد هدر الطعام، الذي يصادف التاسع والعشرين شتنبر من كل سنة، أطلت علينا أرقام الأمم المتحدة لتصدمنا بهول حجم الأطعمة المُهْدَرة على شكل نفايات في المغرب.
فمغرب “التباكي” الذي يرفع فيه غالبية المواطنين شعار المعاناة من ارتفاع الأسعار في المواد الاستهلاكية الضرورية للعيش، هو المغرب الذي ثَبُتَ أنّ المواطنين يهدرون فيه سنويا، ثلاثة ملايين ونصف المليون طن من الأطعمة التي يتم إعدادها في المنازل، عن طريق التخلص منها في قمامات النفايات، بل هو المغرب الذي للمواطن الواحد فيه، جرأة هدْر واحد وتسعين كيلوغراما ( 91 كلغ) من الأطعمة الصالحة للأكل في النفايات في السنة الواحدة، والعُهدة، في هذه الأرقام والمعطيات، على آخر تقرير لمؤشر نفايات الطعام الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومؤسسة “وراب” الخيرية المرتبطة ببرنامج عمل النفايات والموارد.
يُفْهَم من هذه الأرقام أن المغرب بلاد خير عميم إلى حد التّخمة، ولا أحد من المغاربة ومن أصدقاء المغرب وشركائه أو السائحين إليه، من شرق الكرة الأرضية إلى غربها، يمكنه حذف صفة “بلاد الخير” على المغرب والمغاربة. فهو بلاد فلاحي بموارد مختلفة، تتعدّى الزراعات المتنوعة إلى الصيد البحري على امتداد ساحلين، يفوق طولهما ثلاثة آلاف وخمسمائة كيلومتر، من السعيدية في البحر المتوسط شمالا، إلى الكويرة في المحيط الأطلسي جنوبا.
لتحقيق المغرب الاكتفاءَ الذاتي من منتجات المواد الاستهلاكية الضرورية، رسمت له الدّولةُ عدّة مخططات وبرامج، آخرها “المغرب الأخضر” ، وفسحت له المجال في العديد من القطاعات، أهمها قطاع الصناعات الغذائية، وفتحت له آفاقًا وقنوات هامّة للتّصدير والاستيراد لضمان النّقص في بعض المواد.
أحبَّ من أحبَّ و كره مَن كره، المغرب بلاد خير إلى حد التخمة في كل شيء.
ولا تخمة عاشها المغرب ويعيشها في العهد الجديد، أكثر من تخمة الديمقراطية التي أفرزت لنا قبل عشر سنوات من الآن، حكومةً أغلبيتُها بلباس التّقوى والإيمان، قبل أن يعرّيها واقعُ “الزّمان”، ليكشف لنا أن اللحية والمِئْزر والجلباب وسِمَات أثر السجود على الوجوه، ما هي إلا خدعة، مجرّد أدوات احتيال تمّ النصب بها على ناخبين تاقوا إلى تغيير التجارب التقليدية، التي كادت أن تؤدي بالمغرب إلى السكتة القلبية. نعم، ناخبون انطلت عليهم اللعبةُ حين توقَّعوا خيرًا في من يخاف المعبود(شكلا فقط)، قبل خوف النّاسك..
انتهت الصلاحية، بانتهاء عقد الثقة وعقد تجديدها، بعدما فطن الناخبُ إلى أنّ أحوال الملتحي في سلطات التشريع والتنفيذ والمراقبة وكراسي المسؤوليات المختلفة تغيّرتْ لصالحه وصالح ذويه وأقاربه و”إخوانه” في الحزب، دون أن تتغير أحوالُ المواطن، فتمتع الملتحي، وهو في هرم السلطة، بالراتب الضخم والأجر السمين والسيارة الفارهة و”الڤيلّة” الفخمة، بعدما تَرجَّل سابقًا، أو رَكب في أقصى الحدود الدّرّاجةَ والسيارة ” الاقتصادية” وأقام في السكن “الاجتماعي” أو في دُور الكراء. تمتَّع أيضا، وهو في التقاعد، بالمعاش السمين والمكافأة الدائمة عن المنصب، وهل لا يستفيد أو لا يأكل سُحْتا من يُؤْمِن أشدّ الإيمان بشعار “واشْ الدّيب سْخِي” التي تحوَّلتْ في منطوقها عند صاحبها “الدّيب شْخِي”.
تبّا للديمقراطية وللحريات التي انتعشنا بها إلى حد التّخمة، بعدما وقفنا على جحافل المغاربة يشنون حملة مقاطعة، لا أشد منها قسوة، على جملة من المواد الاستهلاكية، انتقاما من “ربّ” من “أرباب” إنتاجها، لتفاجئنا الصناديقُ الزجاجية الشفافة للانتخابات، بأن هذا الرب صديق حميم للمقاطعين أومن أولي النعمة عليهم، بل لتفاجئنا أرقام الأمم المتحدة بأن المغاربة استهلكوا خلال سنة هذه المقاطعة التأديبية، أكثر من اللازم، ليتخلصوا من ملايين أطنان الأطعمة في النفايات. تبّا، كذلك، للتخمة في هذه الديمقراطية التي أفرزتْ لنا رئيسات جماعات ومجالس جماعية، وهنّ في ريعان الشّباب وبلا تجربة تُذْكَر ، وخوفُنا كبير عليهنّ من شراسة الذئب، في غابة التسيير. تبّا للتّخمة في الديمقراطية التي سمحت لذوي سوابق جمّة في سوء التسيير ومحكومين بالحبس النافذ أن يعودوا إلى مشهد تسيير الشأن العام أو يتطاولوا عليه، فيترأسوا جماعات ومجالس جماعية ومجالس عمالات، هنا وهناك..