لا حديث اليوم إلا عن المفاوضات السرية والعلنية حول تشكيل الحكومة، كما يتم ترويج مجموعة من التسريبات حول أسماء الوزراء، الذين اقترحتهم الأحزاب السياسية لتولي المناصب الحكومية. ويجري الحديث عن اختيار كفاءات من الأطر الحزبية، وينتظر المغرب حكومة لا تفاجئهم، حتى لا يعود من كان سببا في الخراب، الذي لن يكون طبعا جزءا من البناء، والعديد منها يتطلع لمنصب وزاري.
المشكل اليوم أن الحديث عن الكفاءة في تولي المسؤولية مصحوب باستسهالها بشكل كبير، حتى أصبح أعضاء الأحزاب السياسيون يتطلعون إلى مناصب حكومية ومسؤوليات في رئاسة الجماعات وعضوية البرلمان بغرفتيه، بينما يعجزون عن اجتياز امتحان للتعليم مثلا أو ولوج وظيفة إطار في الداخلية “قائد” أو رجل شرطة أو عسكري.
الوظائف أصبحت صعبة لأنها بالامتحان، ولا نتحدث هنا عن بعض الوظائف التي يتم الحصول عليها عن طريق الاحتيال والرشوة، بينما مناصب مثل وزير ورئيس جماعة وبرلماني أصبحت سهلة وهي في يد المسؤول الحزبي.
لما أعلن عن تشكيل التحالف الحكومي كثير من المسؤولين الحزبيين والأعضاء، حتى لا نقول المناضلين في عصر نهاية النضال التطوعي المبني على التضحية، اشرأبت أعناقهم لمنصب وزاري ومن لا يرى في نفسه ذلك يتزاحم اليوم من أجل شغل منصب في الديوان أو في مكتب الفريق بمجلس النواب أو المستشارين، وهي وظائف في الغالب يتم القيام بها من قبل عضوين أو ثلاثة ممن لا مظلة لهم والباقي يتقاضون تعويضاتهم فقط.
من أوحى للأعضاء الحزبيين أن المسؤولية سهلة؟ من جعلهم يتهافتون على رئاسة الجماعات؟ من جعل الجماعة لعبة في يد صغار السن يتقاذفونها فيما بينهم كأنما يلعبون مباراة في الكرة أو حتى “شريطة”؟
الذي جرّأ الناس على المسؤوليات هو غياب التطبيق العملي للمبدأ الدستوري “ربط المسؤولية بالمحاسبة”. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الكفاءة يتم الحديث عنها لكن دون معايير ضابطة. الجميع يتحدث عن الكفاءة ولكن لا أحد يتحدث عن الميزان.
في كل بلد هناك معايير لاختيار الكفاءات، بل إن دور الحزب هو أن يكون مصفاة لفرز الأطر من المجتمع، والأحزاب تبحث عن الأطر بينما أحزابنا تؤثث بها الفضاء فقط، ومن يترشح للمسؤولية هو القريب من القيادة الحزبية، أو من يؤدي لها خدمات.
في السابق كانت المسؤولية في الحزب تعني أن يكون صاحبها مثقفا وتدرج من مسؤوليات صغيرة حتى أصبح كبيرا، وبالتالي لو تم اقتراحه لأي منصب يكون مهيأ لذلك، بينما اليوم حتى رئيس الحزب المفروض أن يكون رئيسا للحكومة في حال فوزه يأتي رأسا إلى الرئاسة حتى لو لم يكن عضوا في يوم من الأيام، بل إن مسؤوليات حزبية يتولاها بعض ممن لم يكن يوما في الحزب وبالتالي لم يعد الحزب أداة لفرز الأطر والكفاءات فلا يعول عليه اليوم في اقتراح كفاءات مهنية لمناصب الحكومة.