تأتي زيارة أنتوني بلينكن، كاتب الدولة الأمريكي، إلى المغرب في سياق مطبوع بتحديات كبرى، وفي وقت ترخي الأزمة الأوكرانية بظلالها على السياسات الدولية، بل قد تكون مدخلا لرسم الخرائط الجيوسياسية من جديد، مما يحتم مزيدا من التكتلات ومزيدا من تعزيز العلاقات بين البلدان، التي تربط بينها شراكات كبرى وطويلة الأمد، وبين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب مسار من الشراكة والعناوين الكبرى، التي تجمع بين التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد.
غير أن الشراكة بين البلدين لا تعتمد على وجود عناصر مشتركة فقط ولكن قوة الشريكين في تحقيق الأهداف، وأمريكا تعتبر المغرب دولة إقليمية ذات نفوذ.
وقبل قدوم بلينكن عقدت نائبة وزير الخارجية مباحثات مع بوريطة قصد توسيع هذه العلاقات واستكشاف مستقبل التعاون بين أمريكا والمغرب. فواشنطن تقر بالدور الذي تلعبه الرباط في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي فضلا عن مساهمته في السلام والازدهار في الشرق الأوسط.
ونقرأ في بيان الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة والمغرب يلتزمان بمواصلة التعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل السلام والازدهار الإقليمي والأمن الإقليمي، وكذلك عزمهما على مواصلة التعاون الشديد لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم داعش.
ونال المغرب هذه المكانة لدى القوة الكبرى في العالم باعتباره شريكا مستقرا في تصدير الأمن، وذلك لقيادته المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب ودوره المستدام في التحالف الدولي لدحر داعش، بما في ذلك من خلال المشاركة في رئاسة مجموعة التركيز الإفريقية للتحالف واستضافة الاجتماع الوزاري القادم للتحالف في شهر ماي.
بيان الخارجية الأمريكية بمناسبة زيارة بلينكن للرباط ركز على العلاقة مع إسرائيل، وكان بوريطة شارك في اجتماع سداسي بالنقب، غير أنه ينبغي التأكيد دائما على أن رؤية المغرب للصراع في الشرق الأوسط تنبني على حل الدولتين وفق حدود 67، وبناء على القرار الأممي الصادر سنة 1947، وهو نفسه الأمر الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية منذ 1974، دون أن ننسى أن اتفاقيات أوسلو ووجود السلطة الفلسطينية مبنية على فكرة حل الدولتين.
فالمغرب يؤكد باستمرار على أهمية إحلال السلم في المنطقة، وعلى ضرورة حماية حق الشعب الفلسطيني وأساسا إقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية، التي لن يتم التفريط فيها، والمغرب من خلال رئاسته للجنة القدس يسهر على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وتأهيل المدينة العتيقة.
هذا التموقع الذي يوجد عليه المغرب سيمكنه من لعب أدوار كبيرة في مسار السلام والتسوية بالشرق الأوسط، باعتباره بلدا غير معني جغرافيا بالصراع، وهو ينطلق من موقعه ومن ارتباطه الثقافي والتاريخي بالمنطقة.
زيارة بلينكن للمغرب والمدة التي تستغرقها تؤكد أن فرصا للعمل بالشراكة بين أمريكا والمغرب متاحة، وأن آفاقا واسعة ستفتحها الحوارات الاستراتيجية بين البلدين.