الثالث من ماي هو اليوم العالمي لحرية الصحافة. اختاروا لهذه المهنة يوما يتم فيه الالتفات إلى أوضاعها مثل غيرها، وأحيانا لا يميزون بين الالتفات والالتفاف. كل عام يقوم المهتمون بهذا الشأن بتقديم تقارير عن حرية الصحافة، تشمل في الغالب الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون في الصحافة.
العلاقة بين الصحافة والسلطة، بما هي آليات لتنفيذ القانون، معروفة، وتتميز في الغالب الأعم بالتوتر، وهذا طبيعي، باعتبار أن قدر الصحافة أن تكون سلطة رابعة، ليس من باب تقاسم السلط، ولكن لأنها تصنع لنفسها مسافة مع باقي السلط حتى تكون مراقبة لهم جميعا، وبالتالي أن يكون هناك احتكاك مع هذه السلط المعروفة هو أمر طبيعي، لأن وظيفة الصحافة أن تقدم المعلومة، التي لا ترغب السلطة في وصولها للمعنيين بالأمر أي المتلقين.
لكن أخطر سلطة على حرية الصحافة ليست هي هذه السلط، التي يمكن مواجهتها من خلال القوانين الجاري بها العمل، فأخطر سلطة هي سلطة المال كما تحدث بذلك إيناس راموني.
قد يكون بإمكان الصحافة أن تنتصر في معركة السلطة ومواجهتها، وقد تمكنت من تغيير القوانين في أكثر من مرحلة، لكن كيف تواجه سلطة المال الخفية ودبيبها الذي يشبه دبيب النمل.
لا يمكن الحديث عن حرية الصحافة أمام هيمنة المال، وهنا يتخذ الأمر عدة أشكال ومسارات ومدارك. الصحافة تصمت وتصاب بالخرس أمام سلطة المال وإذا حاولت المقاومة تموت. فكيف يتم حل هذه المعضلة، التي ينبغي أن تحتل مرتبة أولى في النضال، الذي لا يميز بين أرباب المقاولات والصحفيين؟
باستطاعة المال السيطرة على الوسيلة الإعلامية وتوجيه مسارها والتحكم في خطها التحريري، من خلال التحكم في مسالك الإشهار والإعلانات، التي بواسطتها تعيش الصحف بشكل قانوني، ويمكن فتح الأبواب ومغاليق المخازن لصحف أخرى خارج القانون فتستقوي على الجميع، كما يميل المال نحو الصحافة التافهة باعتبارها الأوسع انتشارا، ولسنا هنا في وارد مناقشة لماذا هذه الصحافة هي الأكثر انتشارا، لكن المال يعتمد عليها في تمرير رسائله، بل إنه انتقل للاعتماد على ما يسمى “المؤثرين” وصناع المحتوى، بل حتى الحكومة، بما هي تجمع للمصالح الكبرى، لجأت إليهم في الترويج لمشروع فرصة، ورغم حصولهم على مبالغ مالية طائلة لم يقدموا شيئا، فتبين أن ما حصلوا عليه هو ثمن للسكوت لا للترويج.
خطورة المال على حرية الصحافة أكثر من خطورة السلطة عليها. فبالمال تشتري صحفيين أفواههم واسعة لكن يروجون ما يريده صاحب المال، وهذا ينطبق على من يطبل بالداخل لقرارات مجحفة في حق المواطن، كما ينطبق على بعض الصحفيين الموجودين بالخارج، الذين يبيعون أنفسهم لشيطان الجهات المعادية للمغرب، وأغلبهم اليوم لا يميزون بين كونهم صحفيين ونشطاء على السوشال ميديا مما يتطلب التحديد القانوني للصحفي مع التأكيد على أن البطاقة المهنية لا تصنع صحفيا فقد يحصل عليها من يستغلها في تغليط الرأي العام.