أكد محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في الندوة الوطنية حول موضوع ” البرلمان وقضية الصحراء المغربية: من أجل ديبلوماسية موازية ناجعة وترافُع مؤسساتي فعال” ، التي نظمها مجلس المستشارين- المجموعة الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بتقديم الاستشارة حول القضية الوطنية الأولى للمغرب: قضية الوحدة الترابية للمملكة، أن ” العودة إلى حيثيات التاريخ والجغرافيا والشرعية والمشروعية، وهي كلُّها تؤكد، بما لا يَدعُ مجالاً لأيِّ شك، أنَّ قضيتنا الوطنية قضيةٌ عادلةٌ، ولأنها مصيريةٌ، فقد استحقت، وتستحقُّ، كل التضحيات.
و اضاف بنعبد الله” كما أُذَكِّرُ، هنا باقتضابٍ، بأنَّ حزبَ التقدم والاشتراكية أخَذَ، ولا يزال، مسألةَ الوحدة الترابية لبلادنا على أنها مسألةُ تحرُّر وطني، تتصدر مسلسل بناء الدولة الوطنية والديموقراطية المغربية، وقضيةٌ مركزية مبدئية تتعلق بالهوية الوطنية، وحقٌّ وطنيٌّ يَعلُــــو على كل الاعتبارات، وهي قضية تَــــهُــــمُّ الدولة المغربية، والشعبَ المغربيَّ قاطبة، وكُلَّ قِوَاه الوطنية على اختلاف مشاربها.
و تابع بنعبد الله ” اليوم، من الـــــمُــــهِمّ أن نَقِفَ عند التحُّولات النوعية التي تشهدها قضيتنا الوطنية الأولى، أساساً من خلال الاعترافات الواسعة والوازنة بمغربية الصحراء أو بوجاهة مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، لدولٍ عديدة، من ضمنها دولٌ لها تأثيرٌ كبير في مُجريات الأحداث داخل المنتظم الدولي، ولها معرفةٌ جيِّدَةٌ بحيثيات الملف، من قبيل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، الدائميْ العضوية في مجلس الأمن، وإسبانيا المستعمِرَة السابقة لمناطقنا الجنوبية الصحراوية.
وعموماً، هناك، اليوم، فعلاً تصاعُدٌ حقيقيٌّ للاقتناع العام، أُمَمِياًّ، بأنَّ مبادرة الحُكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هي الحل الوحيد، الأنسبُ والأكثرُ واقعية، من أجل الطيِّ النهائي لهذا النزاع الـــــمُزْمِن الذي تَمَّ افتعالُهُ،منذ زهاءَ نصف قرنٍ.
وفي هذا، تبرز أهمية اللقاء الدولي الذي نظمه حزبُنا بطنجة، حول قضايا السلام في العالم، نهاية الأسبوع الأخير، بحضور ممثلين عن 27 بلداً من مختلف القارات، يمثلون أحزاباً سياسية يسارية وتقدمية وعمالية.. لقاء اختُتِمَ بإعلانٍ هام بموقفٍ متميزٍ وإيجابيٍّ من وحدتنا الترابية.
إننا، إذن، أمام تَحَوُّلٍ عميق في موازين القوى لصالح بلادنا، لكنه تَحوُّلٌ لم يأتِ من فراع أو بنهج الاتِّــــــكَــــــالية، بل بِفضلِ الرؤيةِ والمقاربة اللتيْن اعتمدتهما بلادُنا، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، بعناوين: الإقدام، والاستباقية، والحزم، والنجاعة، والنِّــــــدِّيَّة، والوضوح، وتنويع الشراكات، والانتقال من التدبير إلى التغيير، بما جَعَلَنَا نُمسِكُ زمامَ المبادرة، ونَشَكِّلُ تلك القوةَ الهادئةَ والواثقةَ والصاعدةَ، رغم صعوبةِ وتَعَقُّدِ الأوضاع عالمياًّ.
وهذه مناسبةٌ لكيْ نُعبِّرَ عن الإشادة والاعتزاز بالدينامية الرائعة للديبلوماسية المغربية الرسمية، وكذلك بالإسهاماتِ الديبلوماسية للبرلمان المغربيِّ بغرفتيْه، وبجُهود كافة المؤسسات والهيآت الوطنية، الحزبية والمدنية، وبجميع أصناف الديبلوماسية، الاقتصادية والرياضية والثقافية والعِلمية، وبمجهودات مغاربة العالَم، أيضاً، دفاعاً عن قضية وحدتنا الترابية.
إنَّ الرياح تَــــــــــــــــهُــــــــــــــــبُّ، اليوم، لصالح بلادنا. لذلك علينا جميعاً، كقوى وطنية، دعمُ هذا المنحى واحتضانُه، لِنَمْضِيَ قُدُماً نحو لحظةِ الحَسِم النهائي. لكن لأنَّ الأوضاعَ الدولية، بشكلٍ طبيعي، يتعيَّنُ عدمُ الوُثوقِ الكُلِّيِّ في مِزاجِها المتقلِّب، فإنه من واجبنا، في الأمتار الأخيرة، أنْ نتحلَّى باليقظة اللازمة، وأنْ نُواصِلَ الجُهد الديبلوماسي المُتظافِر، والــــمُعَزَّز بجبهةٍ داخلية متينةٍ يتعينُ أن تَدَعَّمَ باستمرار على كل المستويات السياسية والديموقراطية والاقتصادية والاجتماعية من خلال جيلٍ جديدٍ من الإصلاحات؛ والمعزَّز كذلك بالنهضة التنموية الهائلة التي تشهدها أقاليمُنا الجنوبية، وبالمبادراتِ المَلَكِيَّة، الاستراتيجية والشُّجاعة والرائدة، إزاء بلدان قاراتنا الأفريقية (أنبوب الغاز نيجيريا المغرب؛ مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية؛ ومشروع تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي).
و قال بنعبد الله، و “أمام كل التطورات الإيجابية التي تَشهدها قضيتنا الوطنية الأولى، لا يَزالُ حُكَّامُ الجزائر ، للأسف، مُتَسَتِّرين وراء شعاراتٍ جوفاء أكل الدهرُ عليها وشرب، مُتمادِين في ممارساتٍ دنيئة وخبيثةٍ وساقطة، ومُصِرِّين على معاكَسة ومُعاداةِ كلِّ ما هو مغربي، بل وعلى استعداء الشعب الجزائري الشقيق تُجاه المغرب والمغاربة.
إنه تَصَرُّفٌ مؤلِمٌ وغيرُ مُجدٍ، يُضِرُّ أساساً بالشعب الجزائري، ثُمَّ بالطموح نحو بناء المغرب الكبير المزدهر. ولذلك نؤكِّد حَـــــذَرَنَا من جُنونِ هذه التوجُّهات الجامِدَة، والمنفصلة عن الحقيقة، لحُكَّام الجزائر، وفي نفس الوقت نؤكد الحرص على عدمِ السقوطِ في التعامُلِ بمثلها.
وهي مناسبةٌ لكي نُنَوِّهَ بالسُّــــمُوِّ الذي يتعاملُ به جلالة الملك، بشكلٍ ثابت، مع جارتنا الجزائر، مُجَـــــسَّداً في سياسة اليد الممدودة.
و قال ” نحن، اليوم، أمام ديناميتيْن إيجابيتيْن ومترابطتيْن، بشكلٍ جَدلي: دينامية وطنية، وأُخرى أُممية من تجلياتها آخر التقارير والمواقف التي تبلورت على مستوى مجلس الأمن. وانطلاقاً من ذلك، ينبغي أن نواصل معاً، كلٌّ من موقعه، مساعينا من أجل إقناعِ ما تبقَّى من الدول والأحزاب التي ما زالت تتأثر بخطابٍ ماضويٍّ مبنيٍّ على سردياتٍ مغلوطة، لذلك، نتطلعُ صادقين إلى أنْ يكون هذا الوضعُ الجديد والسياق الإيجابي مدخلاً للحسم، من خلال تَحَمُّلِ الأمم المتحدة مسؤوليتها في التمييز القـَـــطْــــــعِــــي بين ما يُجسِّدُه المغربُ، من حيث مشروعية وعدالة قضيته، ومن حيث كونُهُ بلداً موثوقاً وذا مصداقية وعنصر سلام وازدهار واستقرار للمنطقة…. وما بين الوهْمِ والسَّرابِ والاضطراب.
طبعاً، وفي هذا المنحى، نعلمُ أن المساعي الحالية على صعيد الأمم المتحدة تجري والأنظارُ مُتَّجِهةٌ نحو مبادرة الحُكم الذاتي في كَنَفِ السيادة المغربية، كإطارٍ وحيدٍ للحل. لذلك من الطبيعي أن تكون هناك انتظاراتٌ بخصوص تدقيق وتفصيل المقترح المغربي في شتَّى أبعاده ومجالاته، وهو الأمرُ الذي نَستحسنُ تعامل بلادِنا معه بِتَــــــفَهُّمٍ وانفتاحٍ وإيجابية وتريُّث وذكاء.
إذن، في هذا السياق، أعتقدُ أنَّ من واجب القوى السياسية والبرلمانية والحقوقية والأكاديمية والقانونية وغيرها… أن تُسهِمَ، كلُّ من زاوية نظرها، في تطوير مقاربتنا الوطنية الجماعية، حول الموضوع، وحول ضرورة تعميق مسلسل اللامركزية واللاتمركز في أفق بلورة نظام الحُكم الذاتي.
في هذا الإطار، أُخبركم أنَّ حزبَ التقدم والاشتراكية قد بادَرَ مؤخراً إلى تشكيل فريق عمل، للاشتغال على هذه الأبعاد المتعلقة بالموضوع. واسمحوا لي ألاَّ أدخل منذ الآن في تفاصيل هذا الاشتغال الذي بقدر ما يتطلبُ العمق في التناول الموضوعاتي، بقدر ما يستلزم التريُّث في الإعلان السابق لأوانه عن أيِّ خلاصات.