محمد فارس
كلّما اقتربتِ [الأعراس] إلاّ وشُدّت الأنفاس، وكلّ عريس تساءل أيُّ الطّرق أقْرب إلى الصّناديق، وأية وسيلة تمكّن من مَلْء الأكياس.. ومن الآن، بدأَ صراعُ الألوان، وبدأت الاتّصالاتُ بالإخوان، مع توظيف السّماسرة، واختيار طاقم الأعوان، وبدأتْ معركة [قُفَف] الخير والإحسان، وكلّ (مُحْسِن) وضعَ منصبَه في الميزان، وتبرّأَ من الماضي، ورمى عنه مسؤولية ما كان.. فالعمل الخيري والتّضامني أمرٌ مطلوبٌ للوصول إلى الحكومة أو البرلمان أو المجالس الحِسان.. كلّها قِبابٌ، تسْلب الألباب، وجنَى الجنّتيْن دان.. لا يقنَع من قُطوفها يومئذٍ إنسٌ ولا جَان.. من أجل ذلك ترى الإنسان يتحوّل من خَسيس إلى قسّيس.. ومن إبليس إلى أحكم جَليس.. فترى اللّئام يَرتدون بُرْدة الإمام، ومن كواسِر يتحوَّلون إلى حَمام.. ولن أُحدّثكَ عن الورع، والكَرم، والتّقوى وسِحر الكلام.. ففي البدْء كانت [الكلمة]، ثمّ [اعْطُوا، تُعْطُوا] أصواتًا بفضل [قفّة] رمْز الإحسان والتّضامُن والإكرام..
أنتم دائما هكذا، تكرّسون الفقر لاستغلاله يوم [كذا].. أنتم أسْوأ مثال يُحتذى في أسْوَإ منتدى.. أنتم أروع مثال يُضْرب في الإفلاس، والاختلاس، وخداع النّاس.. أنتم أصحاب الثّروات الـمُمَدّة، وبكم الديمُقراطية ظلّت مُهدَّدة.. أنتم آية في الـمَكر، والبيع، والشّراء، واستغلال أوضاع الفقراء، بحثًا عن السّريع من الثّراء.. أنتم دهاة في التّدويخ، واستعمال الإغراء قَبل حملاِتِكم النّكراء.. ها قد انكشَف كرمُكُم.. وانفضحَت أهدافُ [قفَفِكُم] رغم الكذب، والتّظاهُر بالكرم والعَطاء.. فما عَرفْنا في سياسة أحزابكم، وتمثيلكم لنا غيْر الفاقة وأساليب الإعاقة، وكلّ ألوان الضرَّاء.. ضيّعتُم البلاد، وانغرستم في المقاعد والمناصب كالأوتاد.. [قفّتُكم] لا تلزَمُني، وكرمكُم لا يهمُّني، بل همِّيَ مصيرُ البلاد..
يا هؤلاء، أصحاب الكرم و[القفَف] المليئة والعطاء.. نحن نعرف أسبابَ كرمكُم، ومنابعَ جودكم، وأهدافَ عطائكم، صوتُ فقيرٍ يَدفعه كأداء.. طال العَزفُ الممِلّ، على نفس الكمان.. طال العزفُ، وتوالى العسفُ، واستطال مكْرُ وخداعُ الإخوان.. قال قائل ذُو وضْعٍ مائِل: أما آن الأوان لإلغاء مِثل هذا المهرجان؟! قُلْ كيف يُلغونَه، ولهم فيه مصالح، ومنافع، وجنى الجنّتين دان؟ وكأنّهم في بستان، فيه من كلّ فاكهةٍ زوجان.. فيه هواء نقيٌ، وخُضْرةٌ، ورائحةٌ، وصحةُ أبْدان.. عنوانُ هذا البستان هو الحكومة، والبرلمان، والمجالس الحِسان.. ويبقى لنا نحن الشّعب، الصّبر في انتظار القبْر، ثم الأكفُّ تضْرُع تارةً، وتارةً أخرى تُصفّق وهي منفصلة عن الأذهان.. وكلّ مرة يَخدعوننا، ونحن كقطيع الخِرفان.. استَحلْنا نحن الشعب إلى نُسَخ رديئة من كتابٍ قديم.. تتكررُ باستمرار وأُفُق المستقبل غشّاه السّديم.. ودائما نفسُ الوضع الأليم.. نفسُ الصّدع، نفس الجماعة، نفسُ الحكومة، نفسُ البرلمان.. نفسُ النّفس، وقد عدمَت الاطمئنانَ والأمان..
صارت تجاربُنا الدّيمقراطية [کورْنة] تُفْتح كلّ خَمس سنين.. وبعْد المزاد، والكلام الـمُعاد، يطلع علينا نفس الممثّلين.. ذاك ما ألفناه في [كرنڤال] الألوان، ويستمرّ الشّعبُ في الشّكوى والأنين.. الوصولي يحقِّق الـمُراد، دون اعتراض، ويعود إلى المناصب، والمكاسب في حالٍ يفوق كلَّ بيان.. والمهموم ذُو الوضع المذموم، يَرثُ اليأسَ، والبُؤسَ، والضّعَةَ، والهوان.. وقبل يوم الاقتراع، في جوٍّ يُشبه الصّراع، نَعرف النتيجةَ قبل الامتحان.. ذاك ما تقدّمنا فيه، وهو ما لا تَقْدر عليه أعظمُ البُلدان، كأمريكا، وفرنسا، واليابان.. لأنّه ليس فيها زكاةٌ قبل الأوان، كما لا توجد فيها [قفّةُ] رمضان.. أبهؤلاء ستَبحر سفينة الأمّة إلى شاطئ الأمان؟! أهذه جنّتُهم التي بَشّرتْ بها مُلصقاتُهم مختلفة الألوان؟! لا والله ما هي بجنّة، ولكنْ شبِّهَ لنا معاشرَ الإخوان.. بل هو جحيمُ الدّنيا، نصلاَه كلّ خمس سنوات، فاصبِرْ أيّها المواطنُ على لهيب النّيران.. فأنت تؤدّي بعذابِكَ ثمنَ (قفَّة) أخذتَها يوما من أيام رمضان.. فاصبر، وصابِر، وقلبُكَ يُمْطِر وابِل الأحزان.. وقد صدَّقتَ كرمَ هؤلاء، فرُميتَ في الغاب وحيدًا لِلذُّؤْبان.. وكم ضحِكُوا على الشعب طيلة السّنين، وداسُوا على كرامة الإنسان.. وكم وعدُوه فأخلفوا وُعودَهم، فسِرْنا بسياستهم نحو خيبات وظُلمات مُدْلهمّاتٍ وهوان.. وكلّما ظفروا، نَفروا، وبسياستهم قضوا على ما تَبقّى من آمالنا دون تَوان.. لله الأمرُ يا شعبُ، يا مواطنُ، يا مغربي، ولَعْنة الله على الكذَبة، والخدّاعين، في كلّ مكان، في كلّ زمان..