أثارت قضية بيدوفيل الجديدة جدلا وساعا، واستأثرت باهتمام الجمعيات، التي تبارت في صياغة البيانات، ونحن نرى أن الأجدى والأولى هو محاكمة دون ضغوط، وأن الاحتجاج ينبغي أن يتوجه نحو محاربة الظاهرة، وفي النازلة سيأخذ القانون مجراه، ولكن علينا الاهتمام والعناية بالملف قبل أن تقع الفأس في الرأس ومعالجة الظاهرة وفق شروطها الاجتماعية والنفسية والقانونية.
في كل مرة تقع واقعة نعلق كبش فداء ولا نسائل الباقي عن مسؤولياتهم، مثلما حدث مع تذاكر مونديال قطر، حيث يستحيل بالفهم البسيط أن يكون شخصان فقط المتورطان في الملف، وبالتالي تم تقديمهما على مذبح السكوت عن الحقيقة، قصد طي الملف ونسيان أوراقه المحرجة للبعض، وهكذا في هذا الملف هناك توجه لإدانة المتهم، وهذا شأن القضاء، ونسيان باقي المسؤولين.
من المسؤول عن القضية؟
ينبغي أن نحدد المسؤوليات واحدة واحدة صعودا نحو المسؤولية الكبرى.
تبقى مسؤولية المتهم الأخلاقية والقانونية والجنائية ثابتة ولا نقاش فيها باعتبر القضاء هو الفيصل فيها.
المسؤولية تبدأ من العائلات التي لم تركز على الجهة المنظمة لهذا التخييم العشوائي الخارج عن القانون والأطر المنظمة للمخيمات، إذ سمحت لأبنائها القاصرين مرافقة شخص لا يعرفون عنه سوى أنه “مونيتور”. وهي مسؤولية مبررة بالجهل وربما قلة ذات اليد، وبالتالي بدا لهم أنها فرصة ليستمتع أبناؤهم بعطلة الصيف مثل الباقي، لكن الذئب البشري الساكن وسط هذا الذي يحمل صفة الإنسان كان يتربص بهم الدوائر.
المسؤولية ثانيا تتحملها السلطات المحلية، التي تراقب كل صغيرة وكبيرة، ويمكن أن تحدث ثقبا لإصلاح مرحاض وقبل أن تشرع فيه يقف “مقدم الحومة” يطرق بابك لمععرفة نوع الإصلاح وهل لديك رخصة. أين كانوا عندما جاء هذا الشخص رفقة 20 طفلا واكترى منزلا ليقيم فيه مع الأطفال القاصرين؟
المسؤولية يتحملها صاحب أو صاحبة المنزل التي اكترت له بيتا ليقيم فيه مع الأطفال دون معرفة العلاقة التي تربطه بهم، ودون التسلاؤل عن هذا النوع من التخييم. الجهل بالقانون لا يعفي صاحبه من المسؤولية، حيث كان يسعى فقط لقبض ثمن الكراء دون أن يهمه من المكتري.
قطاع الشباب بوزارة الثقافة والشباب والتواصل هو ايضا مسؤول عن القضية لأنه يعمل كأنه جزيرة معزولة لا ينسق مع القطاعات الأخرى وخصوصا السلطات المحلية. فهل يتوفر القطاع على خارطة الجمعيات المشتغلة بالميدان، وهل تنضبط كاملة للمعايير أم لا؟
المسؤولية متعددة ومركبة، والجواب عنها متشعب لأنها تنطلق من المسؤولية عن الجهل الاجتماعي، ودور المدرسة والإعلام في ترسيخ انعدام الوعي لأنهما لا يقومان بأدوارهما الأساسية في التوعية وسط شرائح كثيرة من المجتمع، التي اجتمع عليها الجهل وقلة ذات اليد، كما تتحمل المسؤولية القطاعات المسؤولة عن الطفولة والشباب التي لم تقم بدورها الكامل في الحماية والمراقبة، ولا ينبغي الوقوف عند “ويل للمصلين” بل ينبغي الذهاب بالتحقيق بعيدا.